يناسب كلّ التنظيمات. كذلك، فإنّ البعض الآخر من تلكم المستحبّات المذكورة آنفاً لا زالت حتّى الآن معمولًا بها، بصفة آداب القضاء. و ذلك من قبيل قول المحقّق رحمه الله:
«أن يطلب من أهل ولايته، من يسأله عمّا يحتاج إليه في أمور بلده».
أمّا من المنظار الفقهي، فهذه الآداب مع كثرتها خصوصاً في كتب العامّة- حتّى أفردت فيها بالتصنيف[1]- لا دليل عليها بالخصوص غالباً و لكن ذكرها الأصحاب[2] من دون توقّف في شيء منها، و لعلّه اكتفوا فيها بالتسامح في أدلّة السنن بالعموم أو بالتسامح في خصوص الاستحباب الأدبي منها؛ حيث يكفي فيه مشروعيّة أصل الأدب و رجحانه فالتسامح فيه أولى من التسامح فيما لم يرد على رجحانه دليل[3].
و بعض الفقهاء قسّموا الآداب على قسمين، الأوّل ما هو أدب للقاضي المنصوب الذي اتّخذ القضاء شغلًا و منصباً و الثاني ما هو أدب لمطلق الحكم[4] و الأمر سهل.
و لا يخفى عليك أنّ بعض الآداب التي ذكرت بعنوان الآداب المستحبّة، تكون واجبة في بعض الأحيان و هي ما إذا توقّف القضاء الشرعي العدل عليه؛ فمثلًا إذا كان الغضب، أو شغله بحوائجه الشخصيّة أو غفلته عن الحكم و الموضوع و غيرها مانعاً عن القضاء الشرعي العدل، فيجب على القاضي التفرّغ من الغضب و الحوائج الشخصيّة و الغفلة باستحضار أهل العلم و مشاورتهم و مناظرتهم. و لعلّه لذلك قال المفيد رحمه الله: «يجب على القاضي إذا كان من الصفات بما تقدّم شرحه و أراد أن يجلس للقضاء أن ينجّز حوائجه التي
[1]- مثل أدب القاضي، لأبي الحسن علي بن محمّد الماوردي و أدب القضاء لإبراهيم بن عبد اللّه الحموي.
[2]- فإنّ أكثر الأصحاب تعرّضوا لها فراجع: المقنعة، صص 722-/ 724- النهاية، صص 337 و 338- الكافي في الفقه، صص 444 و 445- الوسيلة، صص 209 و 210- كتاب السرائر، ج 2، صص 156 و 157- المهذّب، ج 2، صص 592 و 593.
[3]- راجع: جواهر الكلام، ج 40، صص 72 و 73- كتاب القضاء للمحقّق الكني، ص 58.