يولّيه إلّا بالمال فقد حكم المصنّف رحمه الله بالجواز. و الحقّ أنّه يجب من باب المقدّمة و كذا البذل لئلّا يعزله أو يعزل منصوباً من قبله لا يصلح للقضاء. و لعلّ المصنّف رحمه الله إنّما عبّر بالجواز لأنّه إذا جاز في مثل هذا المقام فقد وجب فتأمّل.»[1] قال الشهيد الأوّل رحمه الله: «و لا يجوز بذل ماله ليليه، و لا يكاد يتحقّق للعادل، نعم لو بذل لبيت المال ففي جوازه تردّد. و لا ريب في جوازه للجائر للواثق بمراعاة الشرائط.»[2] قال الشهيد الثاني رحمه الله: «أمّا إذا بذل مالًا ليلي القضاء ففي جوازه وجهان؛ أحدهما:
العدم؛ لأنّه كالرشوة على ذلك و هي محرّمة. و الثاني: الجواز؛ لما تقرّر من رجحانه، فإذا توقّف تحصيل فضيلة على المال جاز بذله لذلك، كما أنّه إذا تعذّر الأمر بالمعروف إلّا ببذل المال جاز، بل وجب مع وجوبه فيكون هنا كذلك.
و الحقّ أنّ هذا البحث لا يجري عندنا بالنسبة إلى الإمام العادل. و ربّما احتمل جوازه إذا بذل المال لبيت المال؛ و فيه نظر. أمّا إذا توقّف تولّيه من الجائر على دفع المال و كان القضاء في حقّه راجحاً، فلا إشكال في جوازه، بل وجوبه لو كان تولّي القضاء واجباً متوقّفاً عليه، و لكنّ الآخذ ظالم بالأخذ. و كذا يجوز له بذل المال بعد ما ولي لئلّا يعزل.
و الآخذ ظالم بالأخذ أيضاً. و أمّا بذل المال ليعزل من هو ملابس للقضاء، فإن لم يكن بصفات القاضي فهو مستحبّ؛ لتخليص الناس منه، لكن أخذه حرام على الآخذ. و إن كان أهلًا فهو حرام.»[3] و قال ابن قدامة: «و على كلّ حال فإنّه يكره للإنسان طلبه (القضاء) و السعي في تحصيله لأنّ أنساً روى عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: «من ابتغى القضاء و سأل فيه شفعاء وكّل إلى نفسه و من أكره عليه أنزل اللَّه عليه ملكاً يسدّده». قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب