ولاسيما أنه (صلوات الله عليه) لم تجف عاطفته في هذه المدة الطويلة، ولم يتجرد عنها ويدعها جانباً، كما قد يحصل لكثير من ذوي التصميم والإصرار على الدخول في الصراعات المضنية ومقارعة الأهوال، بل كان (ع)- كسائر أهل بيته (صلوات الله عليهم)- متكامل الإنسانية. فهو أشدّ الناس عاطفة، وأرقهم قلباً، يتفاعل مع الآلام والمصائب التي ترد عليه، وتستثيره المناسبات الشجية حسرة وعبرة. كما يظهر بمراجعة تفاصيل الواقعة تاريخياً. وتقدم منّا التعرض لبعض مفردات ذلك. وربما يأتي شيء منه في أثناء حديثنا هذا.
وذلك يزيد في معاناته (ع) في هذه المدة الطويلة، خصوصاً في تخطي مفاصلها المثيرة للعاطفة والباعثة على الحسرة. كما انتبهت لذلك أخته العقيلة زينب الكبرى عليها السلام حينما أنشد (صلوات الله عليه) ليلة العاشر من المحرم:
يا دهر أف لك من خليل
كم لك بالإشراق والأصيل
من صاحب أو طالب قتيل
والدهر لا يقنع بالبديل
وإنما الإمر إلى الجليل
وكل حيّ سالك السبيل
حيث لم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وإنها لحاسرة حتى انتهت إليه، فقالت: «واثكلاه. ليت الموت أعدمني الحياة. اليوم ماتت أمي فاطمة وعلي أبي وحسن أخي. يا خليفة الماضي وثمال الباقي». فنظر (ع) إليها، وقال: «يا أخية لا يذهبن حلمك الشيطان». قالت: «بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله، استقتلت نفسي فداك» فرد (ع) غصته وترقرقت عيناه، وقال: «لو ترك القطا ليلًا لنام». فقالت عليها السلام: «يا ويلتي أفتُغصب نفسك اغتصاباً؟! فذلك أقرح لقلبي، وأشدّ