قوة خط الخلافة عند الجمهور يفضي إلى تحكيم السلطة في الدين
الجهة الثانية: أنه بعد أن كان المفروغ عنه عند المسلمين، على اختلاف توجهاتهم- عدا الشاذ الذي لا يعتد به- واستفاضت به النصوص، هو لزوم الإمامة، فالصراع الظاهر لما كان منحصراً بين خطّ أهل البيت القاضي بإمامتهم، تبعاً للنص، والخط الآخر القاضي بعدم انضباط أمر الإمامة، وأن من تغلب فهو الإمام، فانحسار خط أهل البيت عليهم السلام عقائدياً- نتيجة النصوص التي وضعت في عهد معاوية وما سبقها مما ظهر في عهد الخلفاء الأولين- مستلزم لقوة الخط الثاني، وإضفاء الشرعية على إمامة المتغلب وخلافته، بغض النظر عن شخصه وسلوكه.
ومن الطبيعي حينئذ أن يكون له التحكم في الدين، جرياً على سنن الماضين واقتداءً بهم، حيث يألف الناس ذلك، ويتأقلمون معه كأمر واقع. وقد تقدم أن ذلك هو السبب في تحريف الأديان ومسخها.
وقد يقول قائل: إن احترام الجمهور للأولين، بل تقديسهم لهم هو الذي جعلهم يقبلون منهم ما شرّعوه من الأحكام، ولا يتعدى ذلك لغيرهم ممن تأخر عنهم، ولا يحظى بمثل ذلك الاحترام والتقديس.
لكنه يندفع: بأن قبول الجمهور لأحكام الأولين ليس من أجل احترامهم بأشخاصهم، بل من أجل منصبهم، حيث ابتنى المنصب في الصدر الأول على أن الخليفة هو المرجع للمسلمين في دينهم وفي إدارة أمور دنياهم. وذلك يجري فيمن بعدهم بعد فرض شرعية منصبهم.
ولذا جرى من بعدهم على سنتهم في كيفية اختيار الخليفة، وبقي العمل عليها مادامت الخلافة قائمة كأمر واقع، تبعاً لسنة الأولين بعد فرض شرعيتها عند الجمهور.