البحوث القرآنية ليست بحوثاً مختبرية، فللبحوث القرآنية قواعد وضوابط تفرض على الباحث المتخصص اتباعها والسير على هديها متدرجاً في بحثه بموجب متطلباتها ليتوصل إلى اكتشاف الحقيقة التي يبتغيها؛ ووسائل البحوث القرآنية غير وسائل البحوث المختبرية.

فقوله تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ...}([216])، لا يتطلب من المسلم لله أن يخضع الآية للبحث المختبري ليصدق أو لا يصدق بما أنزل اللهُ على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلمه وإيمانه بأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؛ لكن المتشكك وغير المصدق بأن القرآنِ وحيٌ من الله سبحانه وتعالى ما عليه إلاّ أن يُخضِعَ الجنين وهو في بطن أمه إلى عملية تشريحية لكي يتأكد من صحة الآية وهي تصور الخلق الإنساني في المرحلة الجنينية قبل الولادة.

كما أنّ قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}([217])، لم يكن الهدف منه المسلم الذي عاصر نزولَ القرآن إلاّ بالقدر البلاغي الذي يصور به اللهُ عظمة الهيمنة الربانية على عملية الوجود الإنساني ما بين الخلق من الطين ماءً مهيناً يتحول إلى علقة في مستودع الرحم ثم يخلق من هذه العلقة مضغة وتتحول المضغة بعملية خلق جديدة إلى عظام ثم تكسى العظام باللحم ثم يُنشأ من هذه العظام المكسوة

[216] سورة الزمر، الآية: 6.

[217] سورة المؤمنون، الآيات: 12-14.