تلك الفترة التي استقطب الصراع فيها بين أهل العراق وأهل الشام، والتي تميزت باندفاع أهل العراق نحو العلوم الدينية وما تستتبعه من العلوم اللغوية والعلوم الأخرى، وتقوقع أهل الشام حول ملاذ الدنيا وخدمة سلطانها.

من يتفحص أقوال سعيد وهو يتحدث عن ذكرياته، يجد أنَّ لبيئة الكوفة أثراً كبيراً في تنشئته تلك النشأة الدينية.

فهو يذكر أنه في أيام صباه كان يجهل أموراً كثيرة، يَستعين على معرفتها بما كان يسمعه من إرشاد يوجهه له الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر من الخيّرين، يقول سعيد: (رآني أبو مسعود البدري في يوم عيد وَلِيَ ذُؤابه؛ فقال يا غلام، لا صلاة في مثل هذا اليوم قبل صلاة الإمام...)([41]).

صِفاته

كان سعيدُ منذ الطفولةِ مُؤمناً وَرِعاً مستجاب الدعاء يؤدّي الفرائض بأوقاتها ويأسى على فواتها؛ (كان عنده ديك، يقوم إلى الصلاة إذا صاح؛ فلم يصح ليلة من الليالي فأصبح سعيد ولم يصلِّ؛ فشقّ ذلك عليه فقال سعيد: ما له؟ قطع اللهُ صوته! فما سُمِعَ ذاك الديك يصيح بعدها، فقالت له أمه: أي بُنَي لا تدعُ على شيءٍ بعدها...)([42]).

وظلّت هذه السَّجيّة ملازمة له؛ فهو لمّا أخِذَ إلى الحجاج قال لأصحابه: (ما أراني إلاّ مقتولاً، وسأخْبِرُكُمْ أني كنت أنا وصاحبين لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء، ثم سألنا اللهَ الشهادة؛ فَكِلا صاحِبَيَّ رُزِقَها وأنا أنتظرها)([43]).

[41] تذكرة الحفاظ، تأليف: شمس الدين الذهبي: ج1، ص76، ط 1374هـ، بيروت.

[42] حلية الأولياء، تأليف: أبو نعيم الأصبهاني: ج4، ص274، ط 1354هـ - 1935م، القاهرة.

[43] المصدر السابق.