اختلاف المتقدمين بعضهم مع بعضهم الآخر في قواعد الجرح والتعديل

لا كلام على ان المتقدمين من أهل الجرح والتعديل، قد وقع الاختلاف الكبير بينهم، حول كثير من قواعد الجرح والتعديل، وشروط قبول الحديث أو رده، وكمثال على هذه الحقيقة هو وقوع الاختلاف الشديد بين مسلم والبخاري حول مسألة صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن، فالبخاري اشترط الملاقاة ما بين الراويين، والسماع المباشر كي تقبل تلك العنعنة في الحديث، أما مسلم فلم يشترط الملاقاة في كتابه المعروف بصحيح مسلم، ولم يكتف مسلم بعدم قبول شرط البخاري وحسب، بل وبالغ في التشنيع عليه في مقدمة كتابه.

وقد أشار إلى هذه الحقيقة محمد بن إسماعيل الصنعائي في (توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار) بقوله:

(واعلم أنا راجعنا مقدمة مسلم فوجدناه تكلم في الرواية بالعنعنة وأنه شرط فيها البخاري ملاقاة الراوي لمن عنعن عنه وأطال مسلم في رد كلامه والتهجين عليه ولم يصرح أنه البخاري وإنما اتفق الناظرون أنه أراده ورد مقالته)([520]).

وقيل ان مسلما كان يقصد برده علي بن المديني وهو لا يضر فيما نحن فيه لان ابن المديني هو من المتقدمين أيضا، ولو أردنا استقصاء جميع الاختلافات بين المتقدمين أنفسهم لما توقف بنا الحال عند حد معين.

[520] توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار لمحمد بن إسماعيل الأمير الحسني الصنعائي ج1 ص44.