فهذه الآية الكريمة ترشد العارف إلى خصيصتين من خواص الاعتزال وهي أنه
يمنح المنتهج له آثار رحمة الله فيكون مستحقاً لهذه الرحمة فينشرها الله عليه.
وثانياً: إن الله عزّ وجلّ يهيئ للمتقرب إليه بهذه العبادة سبل النجاة
وطرق الخلاص من المهلكات، كما كان واضحاً من حال هذه النخبة المؤمنة التي انتهجت
هذا النهج التعبدي، لأن أهم ما في هذا النهج أنه من معين الإخلاص لله رب العالمين،
فيروي القلب بمائه الصافي وينعش الروح بعذبه الفراتي.
ومن هنا تجده مرافقاً لأولياء الله عزّ وجلّ، لأن الإخلاص غايتهم
الموصولة إلى رياض القدس الإلهية وموجباً لنزول الفيوضات الربانية، كما كان حال
العذراء مريم عليها السلام ونهجها التجردي الاعتزالي التعبدي إلى الله عزّ وجلّ
فكانت لا ترى أحداً ولا يراها أحد إلا نبي الله زكريا عليه السلام فلم تأخذها
العاطفة إلى أهلها والشوق إلى خاصتها وذويها؛ لأن الإخلاص لله غايتها.