فقد اعترض
على الأول بقوله: "سعى نقادنا القدامى وجملة من النقاد المحدثين إلى تمييز
الأخذ من القرآن الكريم والإفادة منه بمصطلحات تدل عليه، كما اختلف القدامى في تلك
الاصطلاحات، فبعضهم ميَّزه بـ(الاقتباس) أو (التضمين) في حين أدخله بعضهم في خانة (السرقة)
كـ(أبي محمد عبد الله بن يحيى المعروف بابن كناسة ت 207 هـ) الذي ألَّف كتاباً
بعنوان (سرقات الكميت من القرآن وغيره)[353]، وجرياً على ذاتية التمييز تلك سعينا لاجتراح مصطلح (القرآنية)
لتمييز عملية الأخذ والإفادة من القرآن من سواها"[354].
وهذا الأمر واضح من تعريف البلاغيين، فقولهم في الاقتباس
بأنه " تضمين الكلام نظماً كان أم نثراً شيئاً من القرآن والحديث لا على أنه
منه، أي على طريقة أن ذلك الشيء من القرآن والحديث، يعني على وجه لا يكون فيه
إشعار بأنه منه، كما يقال في أثناء الكلام قال الله تعالى كذا "[355].
ومن خلال
التعريف يتضح تداخل أمرين، الأول: الاقتباس والتضمين، والثاني: جعل الحديث النبوي
اقتباساً أو تضميناً متداخلاً مع القرآن الكريم، وهذا ما حاول الباحث الابتعاد عنه
باجتراحه مصطلح القرآنية ذي الخصوصية الواضحة من لفظ المصطلح.
أما فيما
يتعلق بابن كناسة، وجعله الأخذ من القرآن سرقة يعاب عليها الشاعر، فهذه مسألة
نادرة في هذا الباب، ولعلَّ مرجعها موقف فقهي ديني، فإننا نجد من العلماء
[353] ابن كناسة هو ابو يحيى محمد بن عبد الله بن
عبد الأعلى الأسدي من أهل الكوفة انتقل إلى بغداد وأقام بها؛ اخذ عن جلة الكوفيين،
ولقي رواة الشعراء وفصحاء بني أسد، وكان شاعرا وله من الكتب:
الأنواء،ومعاني الشعر، وسرقات الكميت من القرآن وغيره.ولد سنة 123 هـ
وتوفي 207هـ. تنظر ترجمته في: الفهرست:1/105.