فَقُلتُ: صِف لي شيعَتَكَ يا أميرَالمُؤمِنينَ. فَبَكى لِذِكري شيعَتَهُ، ثُمَّ قالَ:
يا نَوفُ، شيعَتي وَاللَّهِ الحُلَماءُ العُلَماءُ بِاللَّهِ ودينِهِ، العامِلونَ بِطاعَتِهِ وأمرِهِ، المُهتَدونَ بِحُبِّهِ، أنضاءُ عِبادَةٍ، أحلاسُ زَهادَةٍ[1092]، صُفرُ الوُجوهِ مِنَ التَّهَجُّدِ، عُمشُ العُيونِ مِنَ البُكاءِ، ذُبُلُ الشِّفاهِ مِنَ الذِّكرِ، خُمصُ البُطونِ مِنَ الطَّوى، تُعرَفُ الرَّبّانِيَّةُ في وُجوهِهِم، وَالرَّهبانِيَّةُ في سَمتِهِم.
مَصابيحُ كُلِّ ظُلمَةٍ، ورَيحانُ كُلِّ قَبيلٍ[1093]، لا يَثنونَ مِنَ المُسلِمينَ سَلَفاً، ولا يَقفونَ لَهُم خَلَفاً.
شُرورُهُم مَكنونَةٌ، وقُلوبُهُم مَحزونَةٌ، وأنفُسُهُم عَفيفَةٌ، وحَوائِجُهُم خَفيفَةٌ، أنفُسُهُم مِنهُم في عَناءٍ، وَالنّاسُ مِنهُم في راحَةٍ، فَهُمُ الكاسَةُ الأَلِبّاءُ، وَالخالِصَةُ النُّجَباءُ، وهُمُ الرَّوّاغونَ فِراراً بِدينِهِم. إن شَهِدوا لَم يُعرَفوا، وإن غابوا لَم يُفتَقَدوا.
اولئِكَ شيعَتِيَ الأَطيَبونَ، وإخوانِيَ الأَكرَمونَ، ألا هاهِ شَوقاً إلَيهِم![1094]
611. صفات الشيعة عن محمّد بن الحنفيّة: لَمّا قَدِمَ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام البَصرَةَ بَعدَ قِتالِ أهلِ الجَمَلِ، دَعاهُ الأَحنَفُ بنُ قَيسٍ وَاتَّخَذَ لَهُ طَعاماً، فَبَعَثَ إلَيهِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِ وإلى أصحابِهِ، فَأَقبَلَ ثُمَّ قالَ: يا أحنَفُ، ادعُ لي أصحابي، فَدَخَلَ عَلَيهِ قَومٌ مُتَخَشِّعونَ كَأَنَّهُم شِنانٌ بَوالي.
فَقالَ الأحنَفُ بنُ قَيسٍ: يا أميرَ المُؤمِنينَ، ما هذَا الَّذي نَزَلَ بِهِم؟ أمِن قِلَّةِ
[1092]. قال المجلسي قدس سره:« أحلاسُ زَهاده»: أي ملازمون للزهد، أو ملازمون للبيوت لزهدهم( بحار الأنوار: ج 68 ص 177).
[1093]. قال المجلسي قدس سره:« رَيحان كلّ قَبيلٍ»: أي الشيعة عزيز كريم بين كلّ قبيلة بمنزلة الريحان( بحارالأنوار: ج 68 ص 177).
[1094]. الأمالي للطوسي: ص 576 ح 1189، تنبيه الخواطر: ج 2 ص 70، أعلام الدين: ص 144 و 209، إرشاد القلوب: ص 144 كلّها نحوه، بحار الأنوار: ج 68 ص 177 ح 34.