وهذه المعرفة من الشيعة بأئمّتهم
والدعوة إلى البراءة من الشيخين جعلت الجهاز الحاكم يطاردهم ويضطهدهم ، وجعلت
العيون عليهم تحصي أنفاسهم ودقات قلوبهم ، وهذا هو الذي دعا الإمام الرضا أن
يأمر أحمد بن عمرة بالتقية وان يسمّي ابنه بعمر ، مع أنّه علويّ
المذهب ، لأنّ ـ وحسب تعبير الإمام المعصوم ـ التقية ديني ودين آبائي وهي
جارية إلى يوم القيامة .
وقضيّة أحمد بن عمر تشبه قضيّة عليّ
بن يقطين حين سأل الامام الكاظم عن مسح الرجلين أهو من الأصابع إلى الكعبين ،
أم من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب إليه أبو الحسن الكاظم(عليه
السلام)
أن يتوضّأ وضوء العامّة . فلمّا وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجّب ممّا رسم
له الإمام خلافاً لإجماع الطائفة ، وبعد مدّة ورد عليه كتاب آخر من الإمام
فيه : ابتدِئْ من الآن يا عليّ بن يقطين وتوضّأ كما أمرك الله فقد
زال ما كنّا نخاف منه عليك[591] .
وهذه النصوص تشير إلى ما كان يمرّ به
أهل البيت وشيعتهم من ظروف قاهرة في بعض الأحيان ، تدعوهم للأمر بالتسمية
بأسماء الأعداء ـ فضلا عن تجويزه لهم ـ وكل ذلك حفاظاً على
دماء الشيعة وأموالهم وأعراضهم ، وذلك ما يدلّ بلا ريب على أنّ التسمية بأسماء
الثلاثة لا ترفع العداوة والبغضاء بين أهل البيت والحكّام ، فلا يشك أحد في
العداوة بين هارون العبّاسي والإمام الكاظم ، لكنّ ذلك لا يمنع الإمام من أن
يسمّي ابنه بـ «هارون» ، لأنّ اسم هارون ليس حِكْراً على هارون
الرشيد العباسي ، بل في ذلك فتح باب السلامة والتنفّس للشيعة ، وذلك ما
حصل بالفعل للشاعر الشيعي المشهور منصور النَّمِري ; حيث كان يذكر مدائح
هارون في قصائده ويقصد به أميرالمؤمنين عليّاً(عليه
السلام)
لأ نّه بمنزلة
هارون من
[591]
الارشاد 2 : 227 ، الخرائج والجرائح 1 : 335
ح 26 ، اعلام الورى 2 : 21 ، بحار الأنوار
77 : 27 ح 25 عن خرائج الراوندي ، وسائل الشيعة 1 : 444
ح 3 -