وذات
مرّة استخفّ رجل بالعبّاس بن عبدالمطلّب ،
فضربه عثمان ، فاستحسن منه ذلك ؛ فقال : أيُفَخِّمُ رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم عمّه وأُرَخِّصُ في
الاستخفاف به ! لقد خالف رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم مَن فعل ذلك ومن رضي به[117] .
فكيف
نوفّق بين غيرة الخليفة على الدين ، وشدّة محافظته على
احترام عمّ النبيّ 0 ـ لأنّه رأى النبيّ 0 يعظّمه ويفخّمه ـ التي
جعلته يحكم بأنّ الفاعل للاستخفاف ، والراضي به ، مخالفُ للرسول 0 -. وبين ما نراه يفعل بالوضوء ؟!
فكيف
بِمَن خالف أمرا دأب عليه رسول الله صلیاللهعلیهوآلهوسلم ثلاثاً وعشرين سنة من عمره الشريف ، وأكّد عليه مرارا وتكرارا ، وبلّغ عن ربّه أنَّه
نصف الإيمان ، وأنّ الصلاة موقوفة عليه ؟
مع
ضخامة المخالفة ، فالخليفة الثالث لم يتّخذ أيّ إجراء حاسم ضدّ من توضّأ بخلاف ما هو
عليه ، على الرغم من أنّ هذه المعارضة الوضوئيّة كانت حديثا شائعا قد اندلعت
ضدّه ، لقوله (انّ ناسا يتحدّثون)[118] .
[116] كما فعل مع
الذين أطاروا الحمام ورموا الجلاهقات ـ وهو جسم كروي صغير يصنع من الطين يحذف به
الناس حيث أمر عليهم رجلا يمنعهم منها ، أنظر : تاريخ الطبري 2 : 680 ، والكامل في التاريخ 3 : 70/ أحداث سنة
35 ﻫ .
[117] تاريخ الطبري 3 : 429 / أحداث سنة 35 ﻫ ، تاريخ دمشق 26 : 372 /
الترجمة 3106 .
[118] وبهذا نعرف أن الخليفة لم يستنصر
المسلمين أستنصارا عاما ـ كما هو المتوقع ـ بل استنصر أفرادا واختص بهم . شأن من
يبذر فكرة جديدة ويريد الأستنصار لها ، فالإشهاد هنا يختلف عن
الإشهاد في الملأ العام ، وأنّ الإستنصار الجزئي
يختلف عن الاستنصار العام الشامل !!