قوله السابق
جاء حينما رأى تعاضد المدنيين مع الوافدين من الأمصار لقتل عثمان وتشكيلهم جبهة
ضدّ ، وإن إقدام هؤلاء اسقط ما في ذمّة الإمام من واجب ، إذ إنَّ تنحية الحاكم الفاسد واجب كفائيّ، فلو تصدّى له جمع سقط عن
الآخرين ، ولو لم يكن هناك مَن يقدم على عزل عثمان ،
لتدخّل الإمام بمفرده وحسم أمر الخليفة .
الثانية: إنَّ في جملة الإمام «ما قتلت عثمان، ولا مالأت على قتله» تنويها بأنَّ الجموع
المُقدمة على قتل الخليفة كثيرة ، بحيث قال بعض الصحابة : «ما منا إلّا خاذل
أو قاتل» ، وأنَّ إقدام تلك الجموع أسقطت الواجب عن الإمام، ونفت لزوم إقدامه ، ولم توجب إصداره لمثل ذلك القرار ،
وإن كان يرى هذا العمل ويرتضيه لموافقته لارادة الله .
فالإمام
ـ وعلى فرض المحال ـ لو أراد نصح المنتفضين لما استجابوا له ، إذ إنّه قد أخذ المواثيق الغليظة ـ المرّة تلو الأُخرى ـ من عثمان ، لكنّه نقضها في جميع الحالات وواصل طريق إحداثاته[1046] .
وعليه فالإمام لم يكن آمرا بقتل عثمان ،
ولا داعيا له ـ بهذا المعنى ـ وإن كان يرتضي ذلك قلبا لإنّه يوافق حكم الله .
الثالثة: إنَّ في جملة «قتله الله وأنا معه»
إشارة إلى أنَّ الله حكم بقتله ، لإحداثاته المتكرّرة وأوجبه عليه ،
وأنا مع حكم الله ، لأنَّ من المعلوم أنَّ الله تعالى لم يقتل عثمان على الحقيقة ، فإضافة القتل إلى الله لا تكون إلّا بمعنى الحكم والرضا ، وليس بممتنع أن يكون ممّا حكم الله تعالى به ما لم يَقُلْه [علي]
بنفسه ، ولا آزر عليه
[1046] أنظر : أنساب
الأشراف 5 : 63 ـ 64 وغيره من كتب التاريخ .