ولأجل
الوقوف أمام فقه أهل العراق نرى المنصور يولي مالكا عناية خاصة ويطلب منه أن يكتب
الموطأ ويقول له في خبر آخر : (لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك ونبثّها في الأمصار، ونعهد إليهم ألاَ يخالفوها، ولا يقضوا بسواها)[807] .
قال
صاحب كتاب «موقف الخلفاء العبّاسيّين من أئمّة المذاهب الأربعة» : فإذا تأمّلنا آراء مالك فيما يتعلّق بقضيّة التفضيل بين الخلفاء
الراشدين ، نجد الإمام ينفرد عن غيره ، فهو يرى أنّهم ثلاثة
لا أربعة ، وهو يجعل خلافة الراشدين في أبي بكر وعمر وعثمان ، ويجعلهم في مرتبة دونها سائر الناس .
وأمّا عليّ فإنّه في نظره واحد من جملة الصحابة ،
لا يزيد عنهم بشيء[808] .
وقد عزا
بعض الكتّاب سبب تعديل المنصور سياسته نحو أهل الأثر وتقريبه لمالك بن أنس والطلب
منه أن يضع الموطّأ بقوله «ضعه فما أحد أعلم منك»[809] أنّه كان خوفا من ازدياد نفوذ الإمام الصادق سياسيّا وعلميّا ، إذ ان اجتماع أربعة آلاف راوٍ عنده كلّ يوم يأخذون عنه العلم لم يكن
بالشيء السهل على الخليفة ، وانّ تقوية هذه الحلقة تعني تضعيف المخطط الحكوميّ والسياسة العامّة للبلاد[810] .
[807] أنظر الموافقات
في أصول الفقه ،
اللخميّ الغرناطي 3 : 329 / المسألة 7 .
[809] الديباج المذهب ، لابن فرحون : 25 ، وأنظر : الأئمّة الأربعة ، للشرباصيّ : 92 ، إسلام بلا مذاهب : 415 ، الأئمّة الأربعة ، لشكعة : 412 .
[810] أنظر : مالك بن أنس ، للخولي : وقد جاء في
الكافي 1 : 31 ح 8 عن الإمام الصادق قوله : لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط
حتى يتفقهوا . وهذه الأقوال وغيرها جاءت لتثقيف الأمة بالسنة الصحيحة وعدم تأثرهم
بالحكومات .