2 ـ ثمّ ذكر المنصور في جوابه لمحمّد أمرا آخر ،
وهو : إنّ المسلمين اختاروا أبا بكر وعمر وعثمان خلفاء دون عليّ بن أبي
طالب ؛ ليرغم بقوله هذا أنف محمّد وغيره من الطالبيين ،
وقوله : «دون عليّ» إشارة إلى دور الحكومة العبّاسيّة في إبعاد الإمام
عليّ ونهجه وعدم عدّه رابعا من الخلفاء بعد الرسول
إلى أن عُدّ رابعا متأخرا ، في عهد أحمد بن حنبل ، وفي المقابل تقريب
الشيخين وعثمان بل كل الصحابة ومحبوبية السير على نهجهم دون نهج عليّ 0 -
فالحكومة الأمويّة قد رجّحت عثمان على سائر الخلفاء الراشدين لكونه منهم ، فقرّبوا نهجه وأبعدوا نهج الإمام علي لبغضهم إيّاه ، فانحسر فقه عليّ وخطّ السنّة آنذاك في ذلك العهد .
وعندما تسلّم العبّاسيّون زمام السلطة احتضنوا نهج الشيخين ، وأبعدوا عثمان بغضا للأمويّين ،
وعليّا بغضا للعلويّين ، فبقيت السنّة النبويّة (نهج عليّ) في اضطهاد طيلة فترة الحكمين
الأمويّ والعبّاسيّ ، ولاجل ذاك ترى أتباع مدرسة آل البيت أقل عدداً من أتباع غيرهم على
مر العصور ، كل ذلك للظروف السياسية التي مروا بها .
3 ـ
يفهم من رسالة المنصور العباسي وأُصول سياسته أنَّه رأى من الضروري الاستعانة
بالفقهاء وتقريبهم إليه ، لاكتساب الشرعيّة والوقوف على المبررات والحلول في المواقف الحرجة ، إذ إنَّه بتقريبه الفقهاء والعلماء قد جمع في قبضته بين السلطتين
التشريعيّة والتنفذيّة في آن واحد .
ولا
غرابة في أُسلوب المنصور هذا ـ وهو الداهية ـ وفي كيفيّة استغلاله للشريعة ، وقد كانت هذه هي سيرة الحكّام من قبله ،
فكانوا يستعينون بالشريعة للتعرّف على مخالفيهم وخصومهم ،
وقد مرّ بك سابقا كيفية تشخيص ابن أبي