اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 510
بالنجاسة ، لاحِظْ قوله t كلّ شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر ،
فإذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك فإنّ الإمام tيريد أن يقول "لا
تـتوسوسوا ، للظنّ بالنجاسة ، بل ابْنُوا على الطهارة حتى ولو ظنـنـتم بطروء
النجاسة ، وهذا هو السرّ في استعمال كلمة حتى تعلم و فإذا علمت و وما لم تعلم ، ومثلُها القطعُ
المأخوذ في قاعدة الحِلّ ، وقريب منهما القطع المأخوذ في قوله تعالى[ .. فَإِنْ
عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ .. ] فإنّ
المراد ـ واللهُ العالِمُ ـ هو أنه لا يكفي حسنُ الظاهر ، فلعلّها جاسوسةٌ على
المسلمين ، وأيضاً للإهتمام بمسألة الفروج ، إذ أنها إنْ كانت باقيةً على كُفْرِها
وعدم أسْرِها من قِبَل المسلمين ـ أي عدم كونها غنيمةً في أيدي المسلمين ـ فإنها
تبقى على زوجيّتها من زوجها الكافر بالإجماع ، لأنه لكلّ قوم نكاحهم .
ثم إنه من الطبـيعي والمعلوم
أنه يجب حمْلُ روايات تـنزيل الإحتمالِ منزلةَ العلم والمحتمِل منزلة العالم على
موارد الحلال والحرام وعلى الاُمور الفرعيّة ، وذلك للإنصراف الواضح إلى ذلك ، لا
مطلقاً ، أي حتى في الاُمور العقائديّة والتاريخيّة ونحوها ممّا لا محلّ فيها للتـنزيل
التعبّدي .
* * * * *
الكلامُ في حجيّة إخبار
الثـقة عن حدس
لا شكّ ولا خلاف في
عدم حجيّة خبر الثقة إن كان عن حدس محض ، ذلك لأنّ كلّ الأدلّة القرآنية
والروائيّة وسيرة المتشرّعة ناظرة إلى حالة ما لو كان عن ادّعاء العلم الحسّي ،
فمثلاً قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَأٍ فَتَبـينُوا أَن تُصِيـبوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَـتُصْبِحُوا عَلَى مَا
فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ][497] يفهم منه العقلاء أنه إن
جاءكم عادلٌ يخبركم عن علم حسّي ، لا عن حدس محض ، هذا هو المنصرف إليه من كلمة
(النَبَأ) ، أمّا مَن سمِعَ صوتَ تقاطر الماء مثلاً فحَدَسَ بنحو القطع أنّ السماء
تمطر فأخبر الناسَ بأنّ السماء تمطر ! فإنّ قوله هذا ليس بحجّة شرعاً ولا عقلائياً
ـ بناءً على هذه الآية ـ وإنما يقال له أنت تـنبِئُ بسَماع تقاطر الماء لا أكثر ،
ولعلّ الناس الذين يسمعون نفس هذا التقاطر لا يؤمنون معه بأنه مطر إنِ احتملوا أن
يكون أحدُ الناس يرشّ الماء من الطابق العلوي .
وعلى هذا الأساس لا
تكون فتوى مجتهد حجّةً على مجتهد آخر ، وذلك لأنّ رأيه ناشئ عن الحدس ، وليس عن
حسّ ، لأنه يعتمد عادةً على مبانٍ كثيرة ـ في الأصول وعلم الرجال وعلم الحديث
والإستظهارات