اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 440
شَيْئاً][387] ، فقد يدّعى شمولُ
إطلاقهما لخبر الواحد حتى وإن كان ثقة ، وذلك لأنّ خبر الثقة لا يفيدنا غالباً أكثر
من الظنّ .
وقد أجاب على ذلك
المحقّقون بما يرجع محصّلُه إلى ثلاثة وجوه :
الأوّلـ ما أجاب به المحقّق
النائيني من دعوى خروج خبر الثقة من تحت عنوانَي (الظنّ) و (عدم العلم) تعبّداً، لأنّ موضوع آيات
الظنّ هو الظنّ وعدم العلم ، وأدلَّةُ حجّية خبر الثقة تعطي خبرَ الثقةِ صفةَ العِلْمِ
والطريقيّة ، فيخرج خبرُ الثقة عن كونه ظناً، شرعاً وتعبّداً، ويخرج عن كونه غيرَ علميّ
.
أقول : وهو جواب جيد ، لكنْ
إن آمنّا بمسلك الطريقية ، كما هو الصحيح عندنا وعند غيرنا كالشيخ الأعظم الأنصاري
والمحقّق النائيني، وإليك بعض الأدلّة على صحّة مسلك الطريقيّة ، ولكن نقول ابتداءً :
نحن نعتقد بأنّ الشارع المقدّس تعبّدنا بقيام مؤدّى خبر الثقة مَقام الواقع ،
وأيضاً تعبّدنا بتـنزيل احتمال الإصابة فيه منزلةَ العلم الوجداني . إذن فنحن
نعتقد بصحّة مسلك الطريقيّة ، وهذه بعضُ الأدلّة على ذلك :
لاحظْ مثلاً آيةَ النبأ وغيرَها
ترى أنّ الشارع المقدّس يعتبر العِلمَ بالأماراتِ بمنزلة العلم بالواقع ، كما أوضحنا
ذلك سابقاً .
فلنـتأمّلْ مثلاً في قوله
تعالى[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبـينُوا
أَن تُصِيـبوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
][388] فهي تقول [إِن
جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبـينُوا] وهذا يعني أنه إن جاءكم عادل فلا يجب
عليكم التبين ، وليس ذلك إلاّ لأنه بين بنظر الشرع المقدّس أو قُلْ هو بـيانٌ
وعِلْمٌ ، لأنه ـ بحسب الآية ـ لا يحتاج إلى تَبين وتأكّد ، ثم أكّد ذلك بقوله [أَن تُصِيـبوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ] الذي يعني ـ مفهوماً ـ أنّ
خبر الثقة ليس جهالة ، بخلاف خبر الفاسق الذي هو جهالة .