الاولى: مرتبة الإنشاء و جعل الحكم على موضوعه، كالأحكام الكلّية القانونية قبل ملاحظة مخصّصاتها و مقيّداتها، نحو قوله تعالى: «اوْفُوا بِالْعُقُود» أو «احَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» و كالأحكام الشرعية التي نزل به الروح الأمين على قلب نبيّه، و لكن لم يأن وقت إجرائها؛ لمصالح اقتضته السياسة الإسلامية، و ترك إجرائها إلى ظهور الدولة الحقّة عجّل اللَّه تعالى فرجه.
الثانية: مرتبة الفعلية، و هي تقابل الاولى من كلتا الجهتين.
فالأحكام الفعلية عبارة: عن الأحكام الباقية تحت العموم و المطلق بعد ورود التخصيصات و التقييدات حسب الإرادة الجدّية، أو ما آن وقت إجرائها، فالذي قام الإجماع على أنّه بين العالم و الجاهل سواسية إنّما هو الأحكام الإنشائية المجعولة على موضوعاتها، سواء قامت عليه الأمارة، أم لا، وقف به المكلّف، أم لا، و هكذا، و هي لا يتغيّر عمّا هي عليه، و أمّا الفعلية فيختلف فيها الأحوال كما سيوضح.
و أمّا توضيح الجواب و حسم الإشكال فهو ما مرّ منّا: أنّ مفاسد إيجاب الاحتياط كلًاّ أو تبعيضاً صارت موجبة لرفع اليد في مقام الفعلية عن الأحكام الواقعية في حقّ من قامت الأمارة، أو الاصول على خلافها، و ليس هذا أمراً غريباً منه، بل هذا نظام كلّ مقنّن؛ إذ في التحفّظ التامّ على الواقعيات من الأحكام مفسدة عظيمة لا تجبر بشيء أيسرها خروج الناس من الدين، و رغبتهم عنه، و تبدّد نظام معاشهم و معادهم، فلأجل هذا كلّه رفع اليد عن إجراء الأحكام في الموارد التي قام الأمارة أو الأصل على خلافها، و ليس هذا من قبيل قصور مقتضيات الأحكام و ملاكاتها في موارد قيام الأمارات و الاصول على خلافها، حتّى يتقيّد الأحكام الواقعية بعدم القيام، بل من قبيل رفع اليد لجهة اللابدّية و مزاحمة الفاسد و الأفسد في مقام الإجراء. فالأحكام الواقعية تنشأ على موضوعاتها من غير تقييد.
و يكفي في صحّة ما ذكرنا ملاحظة القوانين العالميّة، أو المختصّة بجيل دون جيل و طائفة دون اخرى؛ فإنّ الأحكام ينشأ على وجه الإنشاء على موضوعاتها العارية من كلّ قيد و شرط، ثمّ إذا آن وقت إجرائه، يذكر في لوح آخر قيوده و مخصّصاته، فالمنشأ على الموضوعات قبل ورود التخصيص و التقييد هو الحكم الإنشائي، و الحكم الفعلي اللازم الإجراء ما يبقى تحت العموم و المطلق بعد وردهما عليه. (تهذيب الاصول 2: 138- 139).
اسم الکتاب : لمحات الأصول المؤلف : بروجردى، حسين الجزء : 1 صفحة : 474