و منهم من قال: إنّ هذه الأشیاء کانت فی الأزل تتحرک بطباعها حرکة غیرمنتظمة فأعانها الباری طبیعتها فأخرجها من لا نظام إلی نظام.

و منهم من قال: إنّ القدیم هو الظلمة أو الهاویة [1] أو خلأ غیر متناه لم یزل ساکناً ثمّ حرّک.

و منهم من قال بالخلیط [2] الّذی یقول به انکساغورس و ذلک لأنهم قالوا إنّ القوة قبل الفعل کما فی البزور و النطف و فی جمیع ما یصنع.

فنقول: إنّ الحال فی الامور الجزئیة من الکائنات الفاسدة کالحال فی المنی و الإنسان من أنّ للقوة المخصوصة تقدماً علی الفعل بالزمان و التقدم بالزمان غیر معتدّ به، ثمّ القوة مطلقاً متأخرة عن الفعل بوجوه التقدم فإنها لاتقوم بذاتها بل یحتاج إلی جوهر تقوم به، و ذلک الجوهر یجب أن یکون بالفعل فانه ما لم یصر بالفعل لم یکن مستعدّاً لشیء؛ فإنّ ما لیس موجوداً مطلقاً لیس ممکناً أن یقبل شیئاً. ثمّ إنّ فی الوجود أشیاء بالفعل لم یکن و لایکون بالقوة أصلا کالأول تعالی و العقول الفعالة [3]. ثمّ القوة تحتاج إلی فعل یخرجها إلی الفعل و لیس ذلک الفعل مما یحدث فإنه یحتاج إلی مخرج آخر [4] و ینتهی لا محالة إلی موجود بالفعل لیس بمحدث کما بین فی تناهی العلل [5]. و ایضاً فإنّ الفعل یتصوّر بذاته و القوة یحتاج تصوّرها إلی تصوّر الفعل [6]. و أیضاً فإنّ الفعل قبل القوة بالشرف و الکمال