اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 268
غلاما كان لي ، فقال رسول الله ( ص ) : أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ قال : لا ، قال رسول الله ( ص ) : فارتجعه .
واتفق مالك والبخاري ومسلم على هذا اللفظ ، قالوا : والارتجاع يقتضي بطلان الهبة .
وفي بعض ألفاظ روايات هذا الحديث أنه قال عليه الصلاة والسلام : هذا جور .
وعمدة الجمهور أن الاجماع منعقد على أن للرجل أن يهبفي صحته جميع ماله للاجانب دون أولاده ، فإن كان ذلك للاجنبي فهو للولد أحرى .
واحتجوا بحديث أبي بكر المشهور أنه كان نحل عائشة جذاذ عشرين وسقا
من مال الغابة فلما حضرته الوفاة قال : والله يا بنية ما من الناس أحد أحب
إلي غنى بعدي منك ، ولا أعز علي فقرا بعدي منك ، وإني كنت نحلتك جذاذ عشرين
وسقا فلو كنت جذذتيه واحتزتيه كان لك ، وإنما هو اليوم مال وارث .
قالوا : وذلك الحديث المراد به الندب ، والدليل على ذلك أن في بعض
رواياته : ألست تريد أن يكونوا لك في البر واللطف سواء ؟ قال : نعم ، قال :
فأشهد على هذا غيري .
وأما مالك فإنه رأى أن النهي عن أن يهب الرجل جميع ماله لواحد من
ولده هو أحرى أن يحمل على الوجوب ، فأوجب عنده مفهوم هذا الحديث النهي عن
أن يخص الرجل بعض أولاده بجميع ماله .
فسبب الخلاف : في هذه المسألة معارضة القياس للفظ النهي الوارد ،
وذلك أن النهي يقتضي عند الاكثر بصيغته التحريم ، كما يقتضي الامر الوجوب ،
فمن ذهب إلى الجمع بين السماع والقياس حمل الحديث على الندب ، أو خصصه في
بعض الصور كما فعل مالك ، ولا خلاف عند القائلين بالقياس أنه يجوز تخصيص
عموم السنة بالقياس ، وكذلك العدول بها عن ظاهرها أعني أن يعدل بلفظ النهي
عن مفهوم الحظر إلى مفهوم الكراهية .
وأما أهل الظاهر فلما لم يجز عندهم القياس في الشرع اعتمدوا ظاهر الحديث وقالوا : بتحريم التفضيل في الهبة .
واختلفوا من هذا الباب في جواز هبة المشاع غير المقسوم ، فقال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور : تصح ، وقال أبو حنيفة : لا تصح .
وعمدة الجماعة أن القبض فيها يصح كالقبض في البيع .
وعمدة أبي حنيفة أن القبض فيها لا يصح إلا مفردة كالرهن ، ولا خلاف
في المذهب في جواز هبة المجهول والمعدوم المتوقع الوجود ، وبالجملة كل ما
لا يصح بيعه في الشرع من جهة الغرر ، وقال الشافعي : ما جاز بيعه جازت هبته
كالدين ، وما لم يجز بيعه لم تجز هبته ، وكل ما لا يصح قبضه عند الشافعية
لا تصح هبته كالدين والرهن ، وأما الهبة فلا بد من الايجاب فيها والقبول
عند الجميع .
ومن شرط الموهوب له أن يكون ممن يصح قبوله وقبضه .
وأما الشروط فأشهرها القبض ، أعني أن العلماء اختلفوا هل القبض شرط
صحة في صحة العقد أم لا ؟ فاتفق الثوري والشافعي وأبو حنيفة أن من شرط صحة
الهبة القبض ، وأنه إذا لم يقبض لم يلزم الواهب ، وقال مالك : ينعقد
بالقبول ويجبر على القبض كالبيع سواء ، فإن تأنى الموهوب له عن طلب القبض
حتى أفلس الواهب أو مرض بطلت الهبة ، وله إذا باع تفصيل : إن علم فتوانى لم
يكن له إلا الثمن ، وإن قام في الفور كان له الموهوب .
فمالك : القبض عنده في الهبة من شروط التمام لا من شروط الصحة ، وهو عند
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 268