اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 238
كتاب الصلح
الاصل في هذا الكتاب قوله تعالى :
﴿ والصلح خير ﴾
وما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام مرفوعا وموقوفا على عمر إمضاء
الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا واتفق المسلمون
على جوازه على الاقرار ، واختلفوا في جوازه على الانكار ، فقال مالك وأبو
حنيفة : يجوز على الانكار ، وقال الشافعي : لا يجوز على الانكار لانه من
أكل المال بالباطل من غير عوض .
والمالكية تقول فيه عوض ، وهو سقوط الخصومة واندفاع اليمين عنه ،
ولا خلاف في مذهب مالك أن الصلح الذي يقع على الاقرار يراعي في صحته ما
يراعي في البيوع ، فيفسد بما تفسد به البيوع من أنواع الفساد الخاص بالبيوع
ويصح بصحته ، وهذا هو مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فيصالحه عليها بعد
الاقرار بدنانير نسيئة ، وما أشبه هذا من البيوع الفاسدة من قبل الربا
والغرر .
وأما الصلح على الانكار فالمشهور فيه عنمالك وأصحابه أنه يراعي فيه
من الصحة ما يراعي في البيوع ، مثل أن يدعي إنسان على آخر دراهم فينكر ثم
يصالحه عليها بدنانير مؤجلة ، فهذا لا يجوز عند مالك وأصحابه ، وقال أصبغ :
هو جائز ، لان المكروه فيه من الطرف الواحد ، وهو من جهة الطالب لانه
يعترف أنه أخذ دنانير نسيئة في دراهم حلت له .
وأما الدافع فيقول : هي هبة مني .
وأما إن ارتفع المكروه من الطرفين ، مثل أن يدعي كل واحد منهما على
صاحب دنانير أو دراهم فينكر كل واحد منهما صاحبه ، ثم يصطلحان على أن يؤخر
كل واحد منهما صاحبه فيما يدعيه قبله إلى أجل ، فهذا عندهم هو مكروه .
أما كراهيته فمخافة أن يكون كل واحد منهما .
فيكون كل واحد منهما قد أنظر صاحبه لانظار الآخر إياه فيدخله أسلفني وأسلفك .
وأما وجه جوازه فلان كل واحد منهما إنما يقول ما فعلت ، إنما هو
تبرع مني ، وما كان يجب علي شئ ، وهذا النحو من البيوع قيل إنه يجوز إذا
وقع ، وقال ابن الماجشون : يفسخ إذا وقع عليه أثر عقده ، فإن طال مضى ،
فالصلح الذي يقع فيه مما لا يجوز في البيوع هو في مذهب مالك على ثلاثة
أقسام : صلح يفسخ باتفاق ، وصلح يفسخ باختلاف ، وصلح لا يفسخ باتفاق إن طال
، وإن لم يطل فيه اختلاف .
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 238