اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 212
وقال قوم : لا تجب له الشفعة : لانه إنما ثبت له مال الشركة يوم
الاستحقاق ، قالوا : ألا ترى أنه يأخذ الغلة من المشتري ؟ فأما مالك فقال :
إن طال الزمان فلا شفعة ، وإن لم يطل ففيه الشفعة ، وهو استحسان .
وأما متى يأخذ وهل له الشفعة ؟ فإن الذي له الشفعة رجلان : حاضر أو غائب .
فأما الغائب فأجمع العلماء على أن الغائب على شفعته ما لم يعلم ببيع شريكه .
واختلفوا إذا علم وهو غائب ، فقال قوم : تسقط شفعته ، وقال قوم : لا
تسقط ، وهو مذهب مالك والحجة له ما روي عن النبي ( ص ) من حديث جابر أنه
قال : الجار أحق بصقبه أو قال : بشفعته ينتظر بها إذا كان غائبا وأيضا فإن
الغائب في الاكثر معوق عن الاخذ بالشفعة ، فوجب عذره .
وعمدة الفريق الثاني أن سكوته مع العلم قرينة تدل على رضاه بإسقاطها .
وأما الحاضر ، فإن الفقهاء اختلفوا في وقت وجوب الشفعة له ، فقال
الشافعي وأبو حنيفة : هي واجبة له على الفور بشرط العلم وإمكان الطلب ، فإن
علم وأمكن ولم يطلب بطلت شفعته ، إلا أن أبا حنيفة قال : إن أشهد بالاخذ
لم تبطل وإن تراخى .
وأما مالك فليست عنده على الفور ، بل وقت وجوبها متسع .
واختلف قوله في هذا الوقت هل هو محدود أم لا ؟ فمرة قال : هو غير
محدود وأنها لا تنقطع أبدا إلا أن يحدث المبتاع بناء أو تغييرا كثيرا
بمعرفته وهو حاضر عالم ساكت ، ومرة حدد هذا الوقت ، فروي عنه السنة وهو
الاشهر ، وقيل أكثر من سنة ، وقد قيل عنه أن الخمسة أعوام لا تنقطع فيها
الشفعة .
واحتج الشافعي بما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : الشفعة كحل العقال وقد روي الشافعي أن أمدها ثلاثة أيام .
وأما من لم يسقط الشفعة بالسكوت واعتمد على أن السكوت لا يبطل حق
امرئ مسلم ما لم يظهر من قرائن أحواله ما يدل على إسقاطه ، وكان هذا أشبه
بأصول الشافعي ، لان عنده أنه ليس يجب أن ينسب إلى ساكت قول قائل ، وإن
اقترنت به أحوال تدل على رضاه ، ولكنه فيما أحسب اعتمد الاثر .
فهداهو القول في أركان الشفعة وشروطها المصححة لها وبقي القول في الاحكام .
القسم الثاني : القول في أحكام الشفعةوهذه الاحكام كثيرة ، ولكن
نذكر منها ما اشتهفيه الخلاف بين فقهاء الامصار ، فمن ذلك اختلافهم في
ميراث حق الشفعة ، فذهب الكوفيون إلى أنه لا يورث كما أنه لا يباع ، وذهب
مالك والشافعي وأهل الحجاز إلى أنها موروثة قياسا على الاموال وقد تقدم .
سبب الخلاف في هذه المسائل في مسألة الرد بالعيب .
ومنها اختلافهم في عهدة الشفيع هل هي على المشتري أو على البائع ،
فقال مالك والشافعي : هي على المشتري : وقال ابن أبي ليلى : هي على البائع
وعمدة مالك أن الشفعة إنما وجبت للشريك بعد حصول ملك المشتري وصحته ، فوجب
أن تكون عليه العهدة .
وعمدة الفريق الآخر أن الشفعة إنما وجبت للشريك بنفس البيع ، فطروها على البيع فسخ له وعقد لها .
وأجمعوا على أن الاقالة
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 212