اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 208
الجار وصححه الترمذي ومن طريق المعنى لهم أيضا أنه لما كانت
الشفعة إنما المقصود منها دفع الضرر الداخل من الشركة ، وكان هذا المعنى
موجودا في الجار وجب أن يلحق به ، ولاهل المدينة أن يقولوا : وجود الضرر في
الشركة أعظم منه في الجوار .
وبالجملة فعمدة المالكية أن الاصول تقتضي ان لا يخرج ملك أحد من يده
إلا برضاه ، وأن من اشترى شيئا فلا يخرج من يده إلا برضاه حتى يدل الدليل
على التخصيص ، وقد تعارضت الآثار في هذا الباب ، فوجب أن يرجح ما شهدت له
الاصول ، ولكلا القولين سلف متقدم لاهل العراق من التابعين ، ولاهل المدينة
من الصحابة .
الركن الثاني : وهو المشفوع فيه
، اتفق المسلمون على أن الشفعة واجبة في الدور والعقار والارضين
كلها ، واختلفوا فيما سوى ذلك ، فتحصيل مذهب مالك أنها في ثلاثة أنواع :
أحدها : مقصود ، وهو العقار من الدور والحوانيت والبساتين .
والثاني : ما يتعلق بالعقار مما هو ثابت لا ينقل ولا يحول ، وذلك
كالبئر ومحال النخل ، ما دام الاصل فيها على صفة تجب فيها الشفعة عنه ، وهو
أن يكون الاصل هو الارض مشاعا بينه وبين شريكه غير مقسوم .
والثالث : ما تعلق بهذه كالثمار ، وفيها عنه خلاف ، وكذلك كراء الارض للزرع وكتابة المكاتب .
واختلف عنه في الشفعة في الحمام والرحا ، وأما ما عدا هذا من العروض
والحيوان فلا شفعة فيها عنده ، وكذلك لا شفعة عنده في الطريق ولا فيعرصة
الدار .
واختلف عنه في أكرية الدور ، وفي المساقاة وفي الدين ، هل يكون الذي
عليه الدين أحق به ؟ وكذلك الذي عليه الكتابة ، وبه قال عمر بن عبد العزيز
.
وروي أن رسول الله ( ص ) قضى بالشفعة في الدين وبه قال أشهب من أصحاب مالك ، وقال ابن القاسم : لا شفعة في الدين .
ولم يختلفا في إيجابها في الكتابة لحرمة العتق .
وفقهاء الامصار على أن شفعة إلا في العقار فقط .
وحكي عن قوم أن الشفعة في البئر وفي كل شئ ما عدا المكيل والموزون ،
ولم يجز أبو حنيفة الشفعة في البئر والفحل ، وأجازها في العرصة والطريق ،
ووافق الشافعي مالكا في العرصة وفي الطريق وفي البئر ، وخالفاه جميعا في
الثمار .
وعمدة الجمهور في قصر الشفعة على العقار ما ورد في الحديث الثابت من
قوله عليه الصلاة والسلام : الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت
الطرق فلا شفعة فكأنه قال : الشفعة فيما تمكن فيه القسمة ما دام لم يقسم ،
وهذا استدلال بدليل الخطاب ، وقد أجمع عليه في هذا الموضع فقهاء الامصار مع
اختلافهم في صحة الاستدلال به .
وأما عمدة من أجازها في كل شئ فما خرجه الترمذي عن ابن عباس : أن
رسول الله ( ص ) قال : الشريك شفيع في كل شئ ولان معنى ضرر الشركة والجوار
موجود في كل شئ وإن كان العقار أظهر ، ولما لحظ هذا مالك أجرى ما يتبع
العقار مجرى العقار .
واستدل أبو حنيفة على منع الشفعة في البئر بما روي لا شفعة في بئر ومالك حمل هذا
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 208