اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 181
رسول الله ( ص ) : اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا والذين
أباحوه قاسوه على الافعال غير الواجبة ، وهذا هو سبب الاختلاف ، أعني هل هو
واجب أم ليس بواجب ؟ وأما الاستئجار على تعليم القرآن فقد اختلفوا فيه
أيضا ، وكرهه قوم ، وأجازه آخرون .
والذين أباحوه قاسوه على سائر الافعال ، واحتجوا بما روي عن خارجة
بن الصامت عن عمه قال : أقبلنا من عند رسول الله ( ص ) ، فأتينا على حي من
أحياء العرب فقالوا : إنكم جئتم من عند هذا الرجل فهل عندكم دواء أو رقية ،
فإن عندنا معتوها في القيود ، فقلنا لهم نعم ، فجاءوا به ، فجعلت أقرأ
عليه بفاتحة الكتاب ثلاثة أيام غدوة وعشية أجمع بريقي ثم أتفل عليه ،
فكأنما أنشط من عقال ، فأعطوني جعلا ، فقلت لا حتى أسأل رسول الله ( ص ) ،
فسألته فقال : كل فلعمري لمن أكل برقية باطل فلقد أكلت برقية حقا وبما روي
عن أبي سعيد الخدري أن أصحاب رسول الله ( ص ) كانوا في غزاة ، فمروا بحي من
أحياء العرب ، فقالوا : هل عندكم من راق ، فإن سيد الحي قد لدغ أو قد عرض
له ، قال : فرقى رجل بفاتحة الكتاب فبرئ ، فأعطي قطيعا من الغنم ، فأبى أن
يقبلها ، فسأل عن ذلك رسول الله ( ص ) فقال : بم رقيته ؟ قال : بفاتحة
الكتاب .
قال : وما يدريك أنها رقية ؟ قال : ثم قال رسول الله ( ص ) : خذوها واضربوا لي معكم فيها بسهم .
وأما الذين كرهوا الجعل على تعليم القرآن فقالوا : هو من باب الجعل على تعليم الصلاة .
قالوا : ولم يكن الجعل المذكور في الاجارة على تعليم القرآن وإنما
كان على الرقي ، وسواء أكان الرقي بالقرآن أو غيره الاستئجار عليه عندنا
جائز كالعلاجات .
قالوا : وليس واجبا على الناس ، وأما تعليم القرآن فهو واجب على الناس .
وأما إجارة الفحول من الابل والبقر والدواب ، فأجاز مالك أن يكري الرجل فحلهعلى أن ينزو أكواما معلومة .
ولم يجز ذلك أبو حنيفة ولا الشافعي .
وحجة من لم يجز ذلك ما جاء من النهي عن عسيب الفحل ومن أجازه شبهه بسائر المنافع ، وهذا ضعيف لانه تغليب القياس على السماع .
واستئجار الكلب أيضا هو من هذا الباب ، وهو لا يجوز عند الشافعي ولا
عند مالك ، والشافعي يشترط في جواز استئجار المنفعة أن تكون متقومة على
انفرادها ، فلا يجوز استئجار تفاحة للشم ، ولا طعام لتزيين الحانوت ، إذ
هذه المنافع ليس لها قيم على انفرادها ، فهو لا يجوز عند مالك ولا عند
الشافعي .
ومن هذا الباب اختلاف المذهب في إجارة الدراهم والدنانير ، وبالجملة
كل ما لا يعرف بعينه ، فقال ابن القاسم : لا يصح إجارة هذا الجنس وهو قرض ،
وكان أبو بكر الابهري وغيره يزعم أن ذلك يصح وتلزم الاجرة فيه ، وإنما منع
من إجارتها ، لانه لم يتصور فيها منفعة إلا بإتلاف عينها ، ومن أجاز
إجارتها تصور فيها منفعة ، مثل أن يتجمل بها أو يتكثر أو غير
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 181