اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 176
في محلها .
فهي عنده كما قلنا في التمر والعنب فقط ، وعند مالك في كل ما يدخر وييبس .
وأما أحمد بن حنبل فيوافق مالكا في أن العرية عنده هي الهبة ،
ويخالفه في أن الرخصة إنما هي عنده فيها للموهوب له أعني المعرى له لا
المعري ، وذلك أنه يرى أن له أن يبيعها ممن شاء بهذه الصفة لا من المعري
خاصة كما ذهب إليه مالك .
وأما أبو حنيفة فيوافق مالكا في أن العرية هي الهبة ، ويخالفه في
صفة الرخصة ، وذلك أن الرخصة عنده فيها ليست هي من باب استثنائها من
المزابنة ولا هي في الجملة في البيع ، وإنما الرخصة فيها عنده من باب رجوع
الواهب في هبته إذا كان الموهوب له لم يقبضها وليست عنده ببيع ، وإنما هي
رجوع في الهبة على صفة مخصوصة ، وهو أن يعطى بدلها تمرا بخرصها .
وعمدة مذهب مالك في العرية أنها بالصفة التي ذكر سنتها المشهورة
عندهم بالمدينة ، قالوا : وأصل هذا أن الرجل كان يهب النخلات من حائطه فيشق
عليه دخول الموهوب له عليه ، فأبيح له أن يشتريها بخرصها تمرا عند الجذاذ .
ومن الحجة له في أن الرخصة إنما هي للمعري حديث سهل بن أبي حثمة أن
رسول الله ( ص ) نهى عن بيع التمر بالرطب إلا أنه رخص في العرية أن تباع
بخرصها يأكلها أهلها رطبا قالوا : فقوله يأكلها رطبا دليل على أن ذلك خاص
بمعريها ، لانهم في ظاهر هذا القول أهلها .
ويمكن أن يقال إن أهلها هم الذين اشتروها كائنا من كان ، لكن قوله
رطبا هو تعليل لا يناسب المعرى ، وعلى مذهب الشافعي هو مناسب ، وهم الذين
ليس عندهم رطب ولا تمر يشترونها به ، ولذلك كانت الحجة للشافعي .
وأما أن العرية عنده هي الهبة فالدليل على ذلك من اللغة ، فإن أهل
اللغة قالوا : العرية هي الهبة ، واختلف في تسميتها بذلك ، فقيل لانها عريت
من الثمن ، وقيل إنها مأخوذة من عروت الرجل أعروه إذا سألته ، ومنه قوله
تعالى :
﴿ وأطعموا القانع والمعتر ﴾
وإنما اشترط مالك نقد الثمن عند الجذاذ أعني تأخيره إلى ذلك الوقت ،
لانه تمر ورد الشرع بخرصه ، فكان من سنته أن يتأجل إلى الجذاذ أصله الزكاة
، وفيه ضعف ، لانه مصادمة بالقياس لاصل السنة .
وعنده أنه إذا تطوع بعد تمام العقد بتعجيل التمر جاز ، وأما اشتراطه
جوازها في الخمسة الاوسق أو فيما دونها ، فلما رواه عن أبي هريرة أن رسول
الله ( ص ) أرخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق ، أو في خمسة
أوسق وإنما كان عن مالك في الخمسة الاوسق روايتان لان الشك الواقع في
هذاالحديث من الراوي .
وأما اشتراطه أن يكون من ذلك الصنف بعينه إذا يبس ، فلما روي عن زيد
بثابت أن رسول الله ( ص ) رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها تمرا خرجه
مسلم .
وأما الشافعي فعمدته حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة عن النبي ( ص ) أنه
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 176