اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 138
العمد ، فلما قيل لهم إن الظواهر التي تحتجون بها يخصصها الحديث
المذكور ، فلم يبق لكم في مقابلة الحديث إلا القياس ، فيلزمكم على هذا أن
تكونوا ممن يرى تغليب القياس على الاثر ، وذلك مذهب مهجور عند المالكية ،
وإن كان قد روي عن مالك تغليب القياس على السماع مثل قول أبي حنيفة ،
فأجابوا عن ذلك بأن هذا ليس من باب رد الحديث بالقياس ولا تغليب ، وإنما هو
من باب تأويله وصرفه عن ظاهره .
قالوا : وتأويل الظاهر بالقياس متفق عليه عند الاصوليين .
قالوا : ولنا فيه تأويلان : أحدهما : أن المتبايعين فيالحديث
المذكور هما المتساومان اللذان لم ينفذ بينهما البيع ، فقيل لهم إنه يكون
الحديث على هذا لا فائدة فيه لانه معلوم من دين الامة أنهما بالخيار إذ لم
يقع بينهما عقد بالقول .
وأما التأويل الآخر : فقالوا : إن التفرق ههنا إنما هو كناية عن الافتراق بالقول لا التفرق بالابدان كما قال الله تعالى :
﴿ وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ﴾
والاعتراض على هذا أن هذا مجاز لا حقيقة ، والحقيقة هي التفرق بالابدان .
ووجه الترجيح أن يقاس بين ظاهر هذا اللفظ والقياس ، فيغلب الاقوى .
والحكمة في ذلك هي لموضع الندم ، فهذه هي أصول الركن الاول الذي هو العقد .
وأما الركن الثاني : الذي هو المعقود عليه
، فإنه يشترط فيه سلامته من الغرر والربا ، وقد تقدم المختلف في هذه من المتفق عليه وأسباب الاختلاف في ذلك ، فلا معنى لتكراره .
والغرر ينتفي عن الشئ بأن يكون معلوم الوجود ، معلوم الصفة ، معلوم
القدر ، مقدورا على تسليمه ، وذلك في الطرفين : الثمن والمثمون معلوم الاجل
أيضا إن كان بيعا مؤجلا .
وأما الركن الثالث : وهما العاقدان ، فإنه يشترط فيهما أن يكونا
مالكين تامي الملك أو وكيلين تامي الوكالة بالغين ، وأن يكونا مع هذا غير
محجور عليهما أو على أحدهما ، إما لحق أنفسهما كالسفيه عند من يرى التحجير
عليه أو لحق الغير كالعبد إلا أن يكون العبد مأذونا له في التجارة .
واختلفوا من هذا في بيع الفضولي ، هل ينعقد أم لا ؟ وصورته أن يبيع
الرجل مال غيره بشرط إن رضي به صاحب المال أمضى البيع ، وإن لم يرض فسخ ،
وكذلك في شراء الرجل للرجل بغير إذنه ، على أنه إن رضي المشتري صح الشراء
وإلا لم يصح ، فمنعه الشافعي في الوجهين جميعا ، وأجازه مالك في الوجهين
جميعا ، وفرق أبو حنيفة بين البيع والشراء فقال : يجوز في البيع ولا يجوز
في الشراء .
وعمدة المالكية ما روي أن النبي ( ص ) دفع إلى عروة البارقي دينارا
وقال : اشتر لنا من هذا الجلب شاة ، قال : فاشتريت شاتين بدينار وبعت إحدى
الشاتين بدينار وجئت بالشاة والدينار ، فقلت : يا رسول الله هذ
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 2 صفحة : 138