اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 116
وأما المسألة الثانية : فإن الذي دخل المسجد ، وقد صلى لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون صلى منفردا ، وإما أن يكون صلى في جماعة .
فإن كان صلى منفردا ، فقال قوم : يعيد معهم كل الصلوات إلا المغرب
فقط وممن قال بهذا القول : مالك وأصحابه ، وقال أبو حنيفة : يعيد الصلوات
كلها إلا المغرب والعصر ، وقال الاوزاعي : إلا المغرب والصبح ، وقال أبو
ثور : إلا العصر والفجر ، وقال الشافعي : يعيد الصلوات كلها .
وإنما اتفقوا على إيجاب إعادة الصلاة عليه بالجملة لحديث بشر بن
محمد عن أبيه : أن رسول الله ( ص ) قال له حين دخل المسجد ، ولم يصل معه :
ما لك لم تصل مع الناس ، ألست برجل مسلم ؟ فقال : بلى يا رسول الله ، ولكني
صليت في أهلي ، فقال عليه الصلاة والسلام إذا جئت
فصل مع الناس وإن كنت قد صليت .
فاختلف الناس لاحتمال تخصيص هذا العموم بالقياس أو بالدليل ، فمن
حمله على عمومه ، أوجب عليه إعادة الصلوات كلها ، وهو مذهب الشافعي وأما من
استثنى من ذلك صلاة المغرب فقط ، فإنه خصص العموم بقياس الشبه ، وهو مالك
رحمه الله ، وذلك أنه زعم أن صلاة المغرب هي وتر ، فلو أعيدت ، لاشبهت صلاة
الشفع التي ليست بوتر ، لانها كانت تكون بمجموع ذلك ست ركعات ، فكأنها
كانت تنتقل من جنسها إلى جنس صلاة أخرى ، وذلك مبطل لها ، وهذا القياس فيه
ضعف ، لان السلام قد فصل بين الاوتار والتمسك بالعموم أقوى من الاستثناء
بهذا النوع من القياس .
وأقوى من هذا ما قاله الكوفيون من أنه إذا أعادها يكون قد أوتر
مرتين ، وقد جاء في الاثر : لا وتران في ية تكون له نفلا ، فإن أعاد العصر
يكون قد تنفل بعد العصر .
وقد جاء النهي عن ذلك ، فخصص العصر بهذا القياس ، والمغرب بأنهاوتر
والوتر لا يعاد ، وهذا قياس جيد إن سلم لهم الشافعية أن الصلاة الاخيرة
لهنفل .
وأما من فرق بين العصر ، والصبح في ذلك ، فلانه لم تختلف الاثار في
النهي عن الصلاة بعد الصبح ، واختلف في الصلاة بعد العصر كما تقدم ، وهو
قول الاوزاعي .
وأما إذا صلى في جماعة ، فهل يعيد في جماعة أخرى ؟ فأكثر الفقهاء على أنه لا يعيد ، منهم مالك ، وأبو حنيفة .
وقال بعضهم : بل يعيد ، وممن قال بهذا القول أحمد ، وداود ، وأهل الظاهر .
والسبب في اختلافهم : تعارض مفهوم الاثار في ذلك .
وذلك أنه ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : لا تصلى صلاة في
يوم مرتين وروي عنه : أنه أمر الذين صلوا في جماعة أن يعيدوا مع الجماعة
الثانية وأيضا فإن ظاهر حديث بسر يوجب الاعادة على كل مصل إذا جاء المسجد ،
فإن قوته قوة العموم ، والاكثر على أنه إذا ورد العام على سبب خاص لا
يقتصر به على سببه ، وصلاة معاذ مع النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم كان يؤم
قومه في تلك الصلاة فيه دليل على جواز إعادة الصلاة في الجماعة .
فذهب الناس في هذه الاثار مذهب الجمع ، ومذهب الترجيح ، أما من ذهب مذهب
اسم الکتاب : بداية المجتهد و نهايه المقتصد المؤلف : ابن رشد الجزء : 1 صفحة : 116