اسم الکتاب : الصراع بين الأمويين و مبادئ الاسلام المؤلف : داود، حامد حفنی الجزء : 1 صفحة : 20
مستلزمات الشرعية السمحاء . فلا غرو أن رأينا المسلمين ـ في عهده ـ يتسابقون في تقديم أرواحهم للموت .
وفي تاريخ الرسول أمثلة رائعة من هذا القبيل ذكر الواقدي :
إن الرسول ـ عندما علم أن أبا سفيان قد ألب عليه المشركين لأخذ
ثأرهم منه بعد معركة بدر ـ استشار أصحابه قبل الخروج إلى أحد فيما ينبغي أن
يفعلوه . فطلبوا منه أن يخرج إلى عدوهم ورغبوا في الاستشهاد في سبيل الله .
« فقال مالك بن سنان ـ أبو أبي سعيد الخدري ـ يا رسول الله نحن والله بين إحدى الحسينين :
إما أن يظفرنا الله بهم . فهذا الذي نريده . والأخرى ـ يا رسول
الله ـ يرزقنا الله الشهادة . والله ـ ما أبالي أيهما كان . إن كلا لفيه
الخير ...
وقال النعمان بن مالك بن ثعلبة ـ أخو بني سالم ـ يا رسول الله لا تحرمنا الجنة فو الذي لا اله إلا هو لأدخلنها [1] ...
وقال خثيمة ـ أبو سعد ـ يا رسول الله إن قريشاً مكثت حولا تجمع
الجموع وتستجلب العرب في بواديها ومن تبعها من أحابيسها [1] . ثم جاؤنا .
فلنخرج لهم عسى الله أن يظفرنا بهم . أو تكون الاخرى وهي الشهادة .
1 ـ مغازي رسول الله « ص » 164 ـ 165 .
[2]ـ وقد حدث شيء مشابه لهذا بين المخلصين من اتباع الامام أثناء
استعداده للخروج إلى صفين . فقد ازدحمت الخيل حين عبرت الفرات متوجهة من
العراق إلى الشام « فسقطت قلنسوة الله بن أبي الحصين . فنزل فأخذها وركب .
ثم سقطت فلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها ثم ركب . فقال لصاحبه أن
يكون ذلك تطيرا صادقاً أقتل وشيكا وتقتل . فقال عبد الله بن أبي الحصين ما
شيء أحب إليّ مما ذكرت ، فقتلا معا يوم صفين . « ابن أبي الحديد ، شرح نهج
البلاغة 1 | 290 الطبعة الاولى بمصر .
[3]ـ الاحابيس هم بنوالحرث بن عبد مناف بن كنانة ، وبنو المصطلق من
خزاعة ، وبنو الهون من خزيمة ـ راجع ابن الأثير ، الكامل في التاريخ 2 |
118.
لقد أخطأتني وقعة بدر وقد كنت عليها حريصا . وقد بلغ ـ من حرصي ـ
أن ساهمت أبني في الخروج فخرج سهمه . فرزق الشهادة وقد كنت عليها حريصا وقد
رايت ابني البارحة ـ في النوم ـ في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها
وهو يقول : إلحق بنا ترافقنا في الجنة . وقد ـ والله يا رسول الله ـ أصبحت
مشتاقا إلى مرافقته في الجنة ...
وقال أنس بن قتادة يا رسول الله هي إحدى الحسينين . إما الشهادة وإما الغنيمة والظفر بهم » .
تلك صورة من أروع صور دفاع المرء عن عقائده واستعداده للتفاني في
سبيلها . فالاستشهاد في ساحات القتال والظفر بالخصم سيان عند مالك بن سنان .
فهو لا يبالي أيهما كان لأن في كل منهما الخير .
والاستشهاد في سبيل صيانة بيضة الإسلام ـ بنظر النعمان بن مالك ـ
أفضل من الانتصار علىالمشركين على الرغم مما في ذلك الانتصار من إعلاء
لكلمة الله .
فالنعمان مصم على دخول الجنة ـ اي انه قد وطد نفسه على نفسه الموت
في ساحات القتال . وليس بعد هذا من شيء يستطيع أن يقدمه المرء في سبيل
الدفاع عن معتقداته في الدين والسياسة والأخلاق .
أما خثيمة فقد تسابق مع ابنه في الوصول إلى الموت ، وأنه أسف على نجاته منه في معركة بدر بقدر ما كان فرحة شديداً باستشهاد ولده .
وقد رأى في المنام ولده الشهيد على احسن حال فشجعه على اللحاق به .
وإذا كانت الاحلاي كما يقول فرويد ـ العالم النفسي المعروف تعبيراً
عن الرغبات المكبوتة لدى الإنسان ، اي أنها تحقيق لما لا يمكن تحقيقه في
الحياة التي يحياها الإنسان ، فإن خيثمة ـ حلمه هذا ـ قد ضرب مثالا آخر من
أروع الأمثلة في الدفاع عن الإسلام .
وهناك صور أخرى ، لا تقل روعة عما ذكرنا ، في التعبير عن موقف المسلمين
اسم الکتاب : الصراع بين الأمويين و مبادئ الاسلام المؤلف : داود، حامد حفنی الجزء : 1 صفحة : 20