ممّا
وقع التحدّي به في الكتاب العزيز هو الرسول الامّي، الذي أُنزل عليه القرآن، قال
اللَّه- تعالى-: «وَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ
ءَايَاتُنَا بَيّنتٍ قَالَ الَّذِينَ لَايَرْجُونَ لِقَآءَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ
غَيْرِ هذَآ أَوْ بَدّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدّلَهُ و مِن تِلْقَآىِ نَفْسِى إِنْ
أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَىَّ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ
يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُل لَّوْ شَآءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ
و عَلَيْكُمْ وَ لَآ أَدْرَ
ل كُم بِهِ ى فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مّن قَبْلِهِى أَفَلَا
تَعْقِلُونَ»[1].
فإنّ
قوله- تعالى-: «أَفَلَا تَعْقِلُونَ»
يرجع إلى أ نّ من كان له حظّ من نعمة العقل، التي هي عمدة النعم الإلهيّة، إذا رجع
إلى عقله واستقضاه يعرف أنّ الكتاب الذي أتى به النبيّ الذي كان فيهم مدّة أربعين
سنة، وفي تلك المدّة مع وضوح حاله واطّلاع الناس على وضعه لم ينطق بعلم، حتّى أنّه
مع تداول الشعر وشيوعه بينهم، بحيث لا يرون القدر إلّاله، ولا يرتّبون الأجر
إلّاعليه، وكان هو السبب الوحيد في الامتياز والفضيلة، لم يصدر منه شعر، بل ولم
يأتِ بنثر ما، لا محالة يكون من عند اللَّه؛ فإنّه كيف يمكن أن يأتي الامّي بكتاب
جامع لجميع الكمالات اللفظيّة والمعنويّة، والقوانين والحدود الدينيّة والدنيويّة؟!
نعم، حيث عجزوا عن معارضته، وكلّت ألسنة البُلغاء دونه، لم يجدوا بدّاً من
الافتراء الظاهر، والبهتان الواضح، فقالوا فيه: إنّه سافر إلى الشام للتجارة،
فتعلّم القصص هناك من الرهبان، ولم يتعقّلوا أنّه لو فرض- محالًا- صحّة ذلك، فما
هذه المعارف والعلوم؟ ومن أين هذه القوانين والأحكام، وهذه الحِكم والحقائق؟
وممّن
هذه البلاغة في جميع الكتاب؟ كما أنّه أخذوا عليه أنّه كان يقف على قين بمكّة من
أهل الروم كان يعمل