وثالثاً: أنّ استثناء النبيذ، والمسح على الخفّين من التقيّة في بعض
الروايات [1] قرينة على كون المراد من المستثنى
منه؛ أعني قوله عليه السلام: «التقيّة في كلّ شيء» جميع الواجبات والمحرّمات
الإلهيّة التي لا تعلّق لها بحقوق الناس.
الأمر
الثاني: رواية صحيحة ربما يستفاد منها العموميّة بالنسبة إلى جميع الحقوق،
وهي ما رواه زرارة وغيره، عن الباقر عليه السلام قال: التقيّة في كلّ ضرورة،
وصاحبها أعلم بها حين تنزل به. والتقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه
اللَّه له [2]. وهذه الرواية وإن كانت واردة في
التقيّة الخوفيّة؛ لكنّها ظاهرة في شمول جواز التقيّة بالنسبة إلى جميع الحقوق.
وفيه
أوّلًا: أنّ مشروعيّة التقيّة- كما ورد في بعض الروايات- يكون من باب
الامتنان، وجواز التعدّي على حقوق الناس ولو تقيّة لا يكون امتناناً؛ فإنّه
لايناسب وقوع الضرر على الغير، أو إيقاعه في الضرر.
وثانياً: أنّ أدلّة نفي الحرج حاكمة على عموميّة هذه الرواية؛ فإنّ جواز
إيقاع الغير فيالضررو لوعلى نحو التقيّة يكون حكماً حرجيّاً بالنسبة إلى الغير،
والأدلّة تنفيه.
فتحصّل
من ذلك عدم عموميّة التقيّة الخوفيّة، بل إنّما هي مشروعة فيما إذا لميستلزم وقوع
الغير في الضرر، فلا يكون في غير الدم عامّاً. وبهذا البيان يظهر الحكم في التقيّة
الإكراهيّة؛ فإنّ الإكراه إن قلنا بأنّه من مصاديق التقيّة لغة وعرفاً، فلا فرق
بينهما من هذه الجهة، وإن قلنا باختلافهما موضوعاً، فيكون ملحقاً بالتقيّة في
الحكم، لما ذكرنا سابقاً.
[2] الكافي 2: 219 ح 13 وص 220 ح 18، المحاسن 1:
404 ح 912، الفقيه 3: 230 ح 1084، وعنها وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر، أبواب الأمر والنهي ب 25 ح 1 و 2، وج 23: 225، كتاب
الأيمان ب 12 ح 7.
وفي
بحار الأنوار 62: 82 ح 2، وج 65: 157 ح 32، وج 75: 399 ح 34 عن المحاسن.