لا یَنالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ [1]. و الابتلاء هو الامتحان بأشیاء عسیرة تشقّ علی النفس، قال تعالی وَ لَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِینَ [2]. أمّا الصبر فهو حبس النفس علی مکروهها. و هذه الأمور هی من جملة أعباء النبوّة و الإمامة التی ینبغی تحمّلها. و قد صدق إبراهیم علیه السّلام فی الابتلاء، و بَشِّرِ الصَّابِرِینَ بالنبوّة و الإمامة. و لقد ابتلی اللّه تعالی الأنبیاء بأمور عدیدة، منها أنّه ابتلاهم فی بدایة أمرهم برعی الأغنام. و لقد رعی موسی علیه السّلام أغنام شعیب علیه السّلام عشر سنین. و ابتلی رسولنا صلّی اللّه علیه و آله و سلّم برعی أغنام أبی طالب، فکان یصطحب الأغنام إلی جبل حراء فیتعاهدها و یتعاهد أصوافها و ألبانها و نتاجها. ثمّ إنّ إبراهیم علیه السّلام لمّا تحمّل أعباء النبوّة، قال اللّه تعالی له إِنِّی جاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِماماً. و لمّا کان إبراهیم یعلم أنّ السنّة الإلهیّة جاریة فی انتقال الإمامة و النبوّة فی الأعقاب أراد أن یطمئنّ قلبه بخصوص ذرّیّته، فسأل وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی؟ فقال الحقّ تعالی لا یَنالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ، أی أنّ الإمام یجب أن یکون معصوما غیر ظالم و لا مشرک، قال تعالی إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ [3]. (1) و یتّضح من هنا عدّة أمور: الأوّل: إنّ الإمامة إنّما تقوم بتعیین و جعل من الحقّ تعالی، و لا تقوم ببیعة الخلق. الثانی: إنّها فی الذرّیّة لا تحوّل عنهم، قال تعالی: وَ لا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِیلًا [4]. الثالث: إنّ الإمام یجب أن یکون معصوما، لا مشرکا تائبا من الشرک. و عند ذلک قال إبراهیم علیه السّلام: وَ اجْنُبْنِی وَ بَنِیَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ* رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ[1]- البقرة: 124. [2]- البقرة: 155. [3]- لقمان: 13. [4]- الإسراء: 77.