انبعاث المكلّف،و الإنشاء لا بذاك الداعي ليس من الحكم الحقيقي،و لا من مراتبه،بداهة أنّ المنشأ بداع آخر لا يكون جعلا للداعي فلا ينقلب عمّا هو عليه، و لا يمكن أن يصير باعثاً و زاجراً و ناهياً بل إنّما يعقل أن يصير بعثاً جِدّياً،و تحريكا حقيقيّاً إذا نشأ بهذا الداعي،و لا يخفى عليك أنّ الإنشاء بالداعي المزبور هو تمام ما بيد المولى،و بلوغه إلى حيث ينتزع عنه عنوان البعث و التحريك يتّبع وصوله إلى المكلّف بنحو من أنحاء الوصول لا لتلازم البعث و الانبعاث كتلازم الإيجاد و الوجود ضرورة دخالة إرادة المأمور،و اختياره في انبعاثه مع أنّ البعث فعلي أراد المأمور امتثاله أم لا؟بل لأنّ المراد من البعث الحقيقي و التحريك الجدّي جعل ما يمكن أن يكون باعثاً و داعياً و محرّكاً و زاجراً و ناهياً.و من الواضح أنّ الإنشاء بداع البعث لا يعقل أن يتّصف بإمكان الباعثيّة و الدعوة إلاّ بعد وصوله إلى المأمور لوضوح أنّ الأمر الواقعي و إن بلغ من القوّة ما بلغ لا يمكن أن يصير بنفسه باعثاً و داعياً،و إن خلا المأمور عمّا ينافي مقتضيات الرقيّة،و عمّا ينافر رسوم العبوديّة بخلاف الواصل فافهم و استقم.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الحكم الحقيقي المشترك بين العالم و الجاهل هو ما ذكرنا فانّه الّذي يعقل أنّ يبلغ درجة الفعليّة و التنجّز،و من الواضح أنّ مثله لا يعقل أن يتقيّد بعدم الجهل به أو بعدم قيام الأمارة على خلافه بل نفس الجهل به،و عدم وصوله كافٍ في عدم بلوغه درجة الفعليّة و وجود الحكم بهذا المعنى لا يمنع عن بعث فعلي آخر على وفاقه أو على خلافه لأنّ حقيقة البعث أنّما تنافي بعثاً آخر لاستحالة عقليّة كلّ منهما لداع مماثلٍ أو مضاد لاستحالة انقداح داعيين متماثلين أو متقابلين نحو فعل واحد،و من الواضح أنّ الحكم الواقعي و إن كان بداعي جعل الداعي إلاّ أنّه كما عرفت لا يعقل أن يتّصف بالدعوة إمكاناً