responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 9

بها ياقوتة يتيمة لا أخت لها و إن اجتمعت معها في المقدار فما اجتمعت معها في القدر و لا في الذات و لا في الخاصية تعالى اللّٰه فالزم عبوديتك و اعرف قدرك

[أن اللّٰه قد جعل من مخلوقاته من هو أكبر من الإنسان]

و اعلم أن اللّٰه قد جعل من مخلوقاته من هو أكبر منك و إن كان خلقه من أجلك و لكن لا يلزم إذا خلق شيئا من أجلك أن تكون أنت أكبر منه فإن السكين عمل من أجل أمور منها قطع يد السارق و النار خلقت من أجل عذاب الإنسان فالإنسان أشرف من النار لأنها خلقت من أجله فهذا الفصل لا يطرد فلا تدخله ميزانك فأنت أنت و هو هو لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فبهذا قد أعلمتك بالميزان العلمي المشروع و المعقول و ما يحتاج إليه من ذلك فلنبين لك ميزان العمل

[إن العمل إما حسي و إما قلبي]

فاعلم إن العمل منه حسي و قلبي و ميزانه من جنسه فميزان العمل أن ينظر إلى الشرع و كيف أقام صور الأعمال على أكمل غاياتها قلبيا كان ذلك العمل أو حسيا أو مركبا من حس و قلب كالنية و الصلاة من الحركات الحسية فقد أقام الشرع لها صورة روحانية يمسكها عقلك فإذا شرعت في العمل فلتكن عينك في ذلك المثال الذي أخذته من الشارع و اعمل ما أمرت بعمله في إقامة تلك الصورة فإذا فرغت منها قابلها بتلك الصورة الروحانية المعبر عنه بالمثال الذي حصلته من الشارع عضوا عضوا و مفصلا مفصلا ظاهرا و باطنا فإن جاءت الصورة فيها بحكم المطابقة من غير نقصان و لا زيادة فقد أقمت الوزن بالقسط و لم تطغ فيه و لم تخسره فإن الزيادة في الحد عين النقص في المحدود فإذا وزنت عملك مثل هذا الوزن كانت صورة عملك مقدارا للجزاء الذي عينه الحق لك عليه سواء كان ذلك العمل محمودا أو مذموما فإن الشرع أيضا كما أقام لك صورة العمل المحمود لتعمله و بينه لك لتعرفه كذلك أقام لك صورة العمل المذموم لتعرفه و تميزه من المحمود و نهاك أن تعمل عليه صورة تطابقه فإن خالفت و عملت صورة تطابق تلك الصورة طلبت تلك الصورة موازنتها من الجزاء فإن اتفق أن يدخلها الحق في الميزان بالجزاء فإنه لا يزيد عليها في المقدار وزن ذرة أصلا هذا إذا أقام الوزن عليه بالجزاء و كان عذابه في النار جزاء على قدر عمله لا يزيد و لا ينقص لا في العمل و لا في مقدار الزمان و الإصرار من الأعمال المنهي عن عملها و لا يزيله إلا التوبة فإن مات عليه خيف عليه و لم يقطع و إذا أدخل الحق صورة العمل الصالح الميزان و وزنه بصورة الجزاء رجحت عليه صورة الجزاء أضعافا مضاعفة و خرجت عن الحد و المقدار منة من اللّٰه و فضلا و هو قوله تعالى مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاٰ يُجْزىٰ إِلاّٰ مِثْلَهٰا كما ذكرناه و قال في الأخرى مَنْ جٰاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثٰالِهٰا و قال مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنٰابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّٰهُ يُضٰاعِفُ لِمَنْ يَشٰاءُ و لم يجعل للتضعيف في الخير مقدارا يوقف عنده بل وصف نفسه بالسعة فقال وَ اللّٰهُ يُضٰاعِفُ لِمَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ و قال إِنَّ رَبَّكَ وٰاسِعُ الْمَغْفِرَةِ و قال وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ و غضبه شيء فقد وسعته الرحمة و حصرته و حكمت عليه فلا يتصرف إلا بحكمها فترسله إذا شاءت و فيه رائحة الرحمة من أجل المنزل و تمسكه إذا شاءت و لهذا ليس في البسملة شيء من أسماء القهر ظاهرا بل هو اللّٰه الرحمن الرحيم و إن كان يتضمن الاسم اللّٰه القهر فكذلك يتضمن الرحمة فما فيه من أسماء القهر و الغلبة و الشدة يقابله بما فيه من الرحمة و المغفرة و العفو و الصفح وزنا بوزن في الاسم اللّٰه من البسملة و يبقى لنا فضل زائد على ما قابلنا به الأسماء في الاسم اللّٰه و هو قوله اَلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ فأظهر عين الرحمن و عين الرحيم خارجا زائدا على ما في الاسم اللّٰه منه فزاد في الوزن فرجح فكان اللّٰه عرفنا بما يحكمه في خلقه و أن الرحمة بما هي في الاسم اللّٰه الجامع من البسملة هي رحمته بالبواطن و بما هي ظاهرة في اَلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ هي رحمته بالظواهر فعمت فعظم الرجاء للجميع و ما من سورة من سور القرآن إلا و البسملة في أولها فأولناها إنها إعلام من اللّٰه بالمال إلى الرحمة فإنه جعلها ثلاثا الرحمة المبطونة في الاسم اللّٰه و الرحمن الرحيم و لم يجعل للقهر سوى المبطون في الاسم اللّٰه فلا عين له موجودة كالكناية في الطلاق ينوي فيه الإنسان بخلاف الصريح فافهم و أما سورة التوبة فاختلف الناس فيها هل هي سورة مستقلة كسائر سور القرآن أو هل هي و سورة الأنفال سورة واحدة فإنهم كانوا لا يعرفون كمال السورة إلا بالفصل بالبسملة و لم يجيء هنا فدل أنها من سورة الأنفال و هو الأوجه و إن كان لتركها وجه و هو عدم المناسبة بين الرحمة و التبري و لكن ما لهذا الوجه تلك القوة بل هو وجه ضعيف و سبب ضعفه أنه في الاسم اللّٰه المنعوت بجميع الأسماء ما هو في اسم خاص يقتضي المؤاخذة و البراءة إنما هي

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 9
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست