responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 8

ما منحه فيكون ذلك الشكر يجبر له ما نقص من العمل الذي لو عمله نتج له هذا الذي وهب له فهذا مسبب قد تقدم سببه بل عاد سببا لما كان ينبغي أن يكون مسببا عنه و يزيده اللّٰه لذلك الشكر فتحا في قلبه على الحد الذي ذكرناه و تؤخذ جميع الأعمال على ذاكم فهذا حد الميزان العقلي في الطريق و اختلفنا فيما يستقل العقل بإدراكه إذا أخذه الولي من طريق الكشف و الفتح هل يفتح له مع دليله أم لا فذهبنا نحن إلى أنه قد يفتح له فيه و لا يفتح له في دليله و قد ذقناه و ذهب بعضهم منهم صاحبنا الشيخ الإمام أبو عبد اللّٰه الكتاني بمدينة فاس سمعته يقول لا بد أن يفتح له في الدليل من غير فكر و يرى ارتباطه بمدلوله فعلمت إن اللّٰه ما فتح عليه في مثل هذا العلم إلا على هذا الحد فقال أيضا ذوقه فإخباره أنه كذا رآه صحيح و حكمه أنه لا يكون إلا هكذا باطل فإن حكمه كان عن نظره لا عن كشفه فإنه ما أخبر عن اللّٰه أنه قال له هكذا أفعله و أن غير هذا الرجل من أهل هذا الشأن قد أدرك ما ذهبنا إليه و لم يعرف دليله العقلي فأخبر كل واحد بما رآه و صدق في إخباره و ما يقع الخطاء قط في هذا الطريق من جهة الكشف و لكن يقع من جهة التفقه فيه فيما كشف إذا كان كشف حروف أو صور و أما الميزان الشرعي فهو إن اللّٰه إذا أعطاك علما من العلوم الإلهية لا من غيرها فإنا لا نعتبر الغير في هذا الميزان الخاص فننظر في الشرع إن كنا عالمين به و إلا سألنا المحدثين من علماء الشرائع لا نسأل أهل الرأي فنقول لهم هل رويتم عن أحد من الرسل أنه قال عن اللّٰه كذا و كذا فإن قالوا نعم فوازنه بما علمت و بما قيل لك و اعلم أنك وارث ذلك النبي في تلك المسألة أو ينظر هل يدل عليها القرآن و هو قول الجنيد علمنا هذا مقيد بالكتاب و السنة فهو الميزان و ليس يلزم في هذا الميزان عين المسألة أن تكون مذكورة في الكتاب أو السنة و إنما الذي يطلب عليه القوم أن يجمعهما أصل واحد في الشرع المنزل من كتاب أو سنة على أي لسان نبي كان من آدم ع إلى محمد ص فإن أمورا كثيرة نرد في الكشف على الأولياء و في التعريف الإلهي لا تقبلها العقول و ترمي بها فإذا قالها الرسول أو النبي ع قبلت إيمانا و تأويلا و لا تقبل من غيره و ذلك لعدم الإنصاف فإن الأولياء إذا عملوا بما شرع لهم هبت عليهم من تلك الحضرة الإلهية نفحات جود إلهي كشف لهم من أعيان تلك الأمور الإلهية التي قبلت من الأنبياء ع ما شاء اللّٰه فإذا جاء بها هذا الولي كفر و الذي يكفره يؤمن بها إذا جاء بها الرسول فما أعمى بصيرة هذا الشخص و أقل الأمور أن يقول له إن كان ما تقوله حق إنك خوطبت بهذا أو كشف لك فتأويله كذا و كذا إن كان ذلك من أهل التأويل و إن كان ظاهريا يقول له قد ورد في الخبر النبوي ما يشبه هذا فإن ذلك ليس هو من شرط النبوة و لا حجره الشارع لا في كتاب و لا سنة و من هذا الباب في هذا المنزل يعلم الإنسان ميزانه من الحضرة الإلهية في

قوله إن اللّٰه خلق آدم على صورته فقد أدخله الجود الإلهي في الميزان فيوازن بصورته حضرة موجدة ذاتا و صفة و فعلا و لا يلزم من الوزن الاشتراك في حقيقة الموزونين فإن الذي يوزن به الذهب المسكوك هو صنجة حديد فليس يشبهه في ذاته و لا صفته و لا عدده فيعلم أنه لا يوزن بالصورة الإنسانية إلا ما تطلبه الصورة بجميع ما تحوي عليه بالأسماء الإلهية التي توجهت على إيجاده و أظهرت آثارها فيه و كما لم تكن صنجة الحديد توازن الذهب في حد و لا حقيقة و لا صورة عين كذلك العبد و إن خلقه اللّٰه على صورته فلا يجتمع معه في حد و لا حقيقة إذ لا حد لذاته و الإنسان محدود بحد ذاتي لا رسمي و لا لفظي و كل مخلوق على هذا الحد و الإنسان أكمل المخلوقات و أجمعها من حيث نشأته و مرتبته فإذا وقفت على حقيقة هذا الميزان زال عنك ما توهمته في الصورة من أنه ذات و أنت ذات و إنك موصوف بالحي العالم و سائر الصفات و هو كذلك و تبين لك بهذا الميزان أن الصورة ليس المراد بها هذا و لهذا جمع في صورة واحدة خَلَقَ الْإِنْسٰانَ و وَضَعَ الْمِيزٰانَ و أمرك أن تقيمه من غير طغيان و لا خسران و ما له إقامة إلا على حد ما ذكرت لك فإنه اللّٰه الخالق و أنت العبد المخلوق و كيف للصنعة أن تكون تعلم صانعها و إنما تطلب الصنعة من الصانع صورة علمه بها لا صورة ذاته و أنت صنعة خالقك فصورتك مطابقة لصورة علمه بك و هكذا كل مخلوق و لو لم يكن الأمر كذلك و كان يجمعكما حد و حقيقة كما يجمع زيدا و عمرا لكنت أنت إلها أو يكون هو مألوها حتى يجمعكما حد واحد و الأمر على خلاف ذلك فاعلم بأي ميزان تزن نفسك مع ربك و لا تعجب بنفسك و اعلم أنك صنجة حديد وزن

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 8
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست