responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 88

وَ الذّٰاكِرٰاتِ و قوله تعالى اَلتّٰائِبُونَ الْعٰابِدُونَ الْحٰامِدُونَ السّٰائِحُونَ و قوله تٰائِبٰاتٍ عٰابِدٰاتٍ سٰائِحٰاتٍ و

قال رسول اللّٰه ص كمل من الرجال كثيرون و من النساء مريم بنت عمران و آسية امرأة فرعون فاجتمع الرجال و النساء في درجة الكمال و فضل الرجل بالأكملية لا بالكمالية فإن كملا بالنبوة فقد فضل الرجل بالرسالة و البعثة و لم يكن للمرأة درجة البعثة و الرسالة مع أن المقام الواحد المشترك يقع التفاضل في أصحابه بينهم فيه كما قال تعالى تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ و قال وَ لَقَدْ فَضَّلْنٰا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلىٰ بَعْضٍ و قد شرك اللّٰه بين الرجال و النساء في التكليف فكلف النساء كما كلف الرجال و إن اختصت المرأة بحكم لا يكون للرجل فقد يختص الرجل بحكم لا يكون للمرأة و إن كان النساء شقائق الرجال

[أن منزلة المرأة من الرجل في أصل الإيجاد منزلة الرحم من الرحمن]

ثم اعلم أن منزلة المرأة من الرجل في أصل الإيجاد منزلة الرحم من الرحمن فإنها شجنة منه فخرجت على صورته و

قد ورد في بعض الروايات أن اللّٰه خلق آدم على صورة الرحمن و ثبت أن الرحم فينا شجنة من الرحمن فنزلنا من الرحمن منزلة حواء من آدم و هي محل التناسل و ظهور أعيان الأبناء كذلك نحن محل ظهور الأفعال فالفعل و إن كان لله فما يظهر إلا على أيدينا و لا ينسب بالحس إلا إلينا و لو لم نكن شجنة من الرحمن لما صح النسب الإلهي و هو كوننا عبيدا له و مولى القوم منهم فافتقارنا إليه افتقار الجزء إلى الكل و لو لا هذا القدر من النسبة لما كان للعزة الإلهية و الغني المطلق أن يعطف علينا و لا إن ينظر إلينا فبهذا النسب صرنا مجلاها فلا تشهد ذاتها إلا فينا لما خلقنا عليه من الصورة الإلهية فملكنا الأسماء الإلهية كلها فما من اسم إلهي إلا و لنا فيه نصيب و لا يقوم بنا أمر إلا و يسرى حكمه في الأصل قال النبي ص في هذا الاسم في أعضاء الإنسان إنه إذا أحس عضو منه بألم تداعي له سائر الجسم بالحمى فأثر وجود ذلك الألم في العضو الخاص الحمى في سائر الأعضاء فيتألم كله لتالم جزء من جسمه فما ظنك بالنفس الناطقة التي هي سلطانة هٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ فإن حاملة الحمى النفس الحيوانية في هذا الموضع و هي للنفس الناطقة بمنزلة ملك اختل عليه بعض ملكه فهمه يكون أشد أ لا ترى الحق سبحانه قد وصف نفسه بالغضب و بالرحمة و بالقبول و بالإجابة و أمثال هذا و جعل ذلك كله مسببا عن أسباب تكون منا فإذا عصيناه مجاهرة أغضبناه و إذا قلنا قولا يرتضيه منا أرضيناه كما

قال ص و لا نقول إلا ما يرضى ربنا و إذا تبنا آثرنا القبول عنده و لو لا سيئاتنا ما عاقب و لا عفا و هذا كله مما يصحح النسب و يثبت النسب و يقوي آثار السبب فنحن أولاد علات أم واحدة و آباء مختلفون فهو السبب الأول بالدليل لا بالمشاهدة و لما تقرر ما ذكرناه أيد هذا النسب بقوله فمن وصلها وصله اللّٰه و من قطعها قطعه اللّٰه فانظر ما أعجب هذا الحكم إن قطعها سبحانه من الرحمن و جعل السعادة لنا و الوصلة به في وصل ما قطعه فالصورة صورة منازعة و فيها القرب الإلهي ليكون لنا حكم الوصل و هو رد الغريب إلى أهله و ليس للحكمة الإلهية في هذا إلا نفي التشبيه فإنه قال لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فإذا قطعناها أشبهناه في القطع فإنه جعلها شجنة من الرحمن فمن قطعها فقد تشبه به و هو لا يشبه شيئا و لا يشبهه شيء بحكم الأصل فتوعد من قطعها بقطعه إياه من رحمته لا منه و أمرنا بأن نصلها و هو أن نردها إلى من قطعت منه فإنه قال وَ إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَ مٰا رَبُّكَ بِغٰافِلٍ عَمّٰا تَعْمَلُونَ فأضاف العمل لك و جعل نفسه رقيبا عليه و شهيدا لا يغفل و لا ينسى ذلك لتقتدي أنت به فيما كلفك من الأعمال فلا تغفل و لا تنسى لأنك أولى بهذه الصفة لافتقارك و غناه عنك و لما كانت حواء شجنة من آدم جعل بينهما مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً ينبه أن بين الرحم و الرحمن مودة و رحمة و لذلك أمرك أن تصلها بمن قطعت منه فيكون القطع له و الوصل لك فيكون لك حظ في هذا الأمر تشرف به على سائر العالم فالمودة المجعولة بين الزوجين هو الثبات على النكاح الموجب للتوالد و الرحمة المجعولة هو ما يجده كل واحد من الزوجين من الحنان إلى صاحبه فيحن إليه و يسكن فمن حيث المرأة حنين الجزء إلى كله و الفرع إلى أصله و الغريب إلى وطنه و حنين الرجل إلى زوجته حنين الكل إلى جزئه لأنه به يصح عليه اسم الكل و بزواله لا يثبت له هذا الاسم و حنين الأصل إلى الفرع لأنه يمده فلو لم يكن لم تظهر له ربانية الإمداد كما إن الكون لولاه لم يصح أن يكون ربا على نفسه و هو رب فلا بد من العالم و لم يزل ربا فلم تزل الأعيان الثابتة تنظر إليه بالافتقار أزلا ليخلع عليها اسم الوجود و لم يزل ينظر إليها لاستدعائها بعين الرحمة فلم يزل ربا سبحانه و تعالى في حال عدمنا و في حال وجودنا و الإمكان لنا كالوجوب له قال

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 88
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست