responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 86

من حيث توحيد الألوهية إلى توحيد ذاته من حيث هو لنفسه لا من حيث المرتبة التي بها يتعلق الممكن فيشاهده في ذلك التوحيد واحدا لا واحدا معرى عن النسب و الإضافات مجهولا للممكنات غير منسوب لنفسه بأنه عالم بنفسه لنفسه فهو في ذلك التوحيد عينه لا من حيث هو عينه و لا من حيث لا هو عينه و هذا أسنى المراتب في تجريد الكون عن التعلق به و هو كمال الأحدية لا كمال الوحدانية فإن كمال الوحدانية في سريان أحديته في العقائد فإن الوحداني هو الذي يطلب الموحدين و الأحدية لا تطلب ذلك كالجسماني هو الذي يطلب الأجسام ليظهر بها حكمه فاعلم فإذا رأيت عارفا تأتي عليه أسباب الالتذاذ و أسباب التألم و لا يلتذ و لا يتألم لا بالمحسوس و لا بالمعقول في اقتناء العلوم الملذة فتعلم إن وقته التجرد التام عن طبيعته و هذا أقوى التشبه الذي يسعى إليه العلماء بالله و واجده قليل و القليل الذي يجده قليل الاستصحاب لهذا الوجدان و إنما اللّٰه يكرم به من شاء من عباده في خطرات ما ليعلمه بالتوحيد الذاتي الذي ذكرناه فإن طائفة من العقلاء نسبوا الالتذاذ و الابتهاج إلى ذلك الجناب بالكمال الذي هو عليه تعالى الأحد في ذاته عن هذا الوصف لكن الوحدانية الإلهية هي التي ينظر إليها القائلون بهذا القول و لا يشعرون قال تعالى سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَعْلَمُونَ وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ فمن نظر الحق من حيث ذاته عرف ما قلناه و من نظره من حيث ألوهيته عرف ما قلناه ألا تنظر إلى مبادي الوحي الإلهي النبوي إنما هي المبشرات و هي التي بقيت في الأمة بعد انقطاع النبوة فتخيل من لا علم له بالأمر بما هو عليه إن ذلك نقص في حق هذه الأمة ليس الأمر كما ظنه من لا علم له بتقسيم الوحي فإن وحي المبشرات هو الوحي الأعم الذي يكون من الحق إلى العبد بلا واسطة و يكون أيضا بواسطة و النبوة من شأنها الواسطة و لا بد فلا بد من الملك فيها و المبشرات ليست كذلك فالعبد العارف لا يبالي ما فاته من النبوة مع بقاء المبشرات عليه إلا أن الناس يتفاضلون فيها فمنهم من لا يبرح في بشراه عن الواسطة و منهم من يرتفع عنها كالخضر و الأفراد فلهم المبشرات بارتفاع الوسائط و ما لهم النبوة و لهذا ننكر عليهم الأحكام فما كان من حكم في الكون من المبشرات فهو من البشرى بالواسطة و هو تعريف خاصة بما جاء به الرسول و ما لم يكن لها حكم الكون إلا العلم المجرد في تكملة ذاته فمن البشرى بترك الواسطة فالرسل فضلت من سواها بتحصيل ضروب مراتب الوحي من المبشرات و غيرها من نزول الأملاك على قلوبهم و على حواسهم و لهم المبشرات فهم الأفراد الأقطاب و نحن الأفراد لا الأقطاب و أعني بالأقطاب الشخص الذي تدور عليه رحى السياسات الناموسية المبثوثة في مصالح العالم المؤيدة بالمعجزات و الآيات فالله يجعلنا ممن بشره به فنام إلى الأبد و لم ينتبه سأل سهل بن عبد اللّٰه رجلا من أهل عبادان عن سجود القلب و كان قد رأى سهل بن عبد اللّٰه قلبه قد سجد فعرض ذلك على جماعة من الشيوخ من أهل زمانه فلم يعرفوا ما يقول لأنهم لم يذوقوا ذلك فرحل في طلب من يعرف ذلك فلما وصل إلى عبادان دخل على شيخ فقال له يا أستاذ أ يسجد القلب فقال الشيخ إلى الأبد يعني أنه لا يرفع رأسه من سجدته فعرف سهل بن عبد اللّٰه في سؤاله إن اللّٰه أطلعه على سجود قلبه فلازم تلك الصفة فلم يرفع رأسه من سجدته لا في الدنيا و لا يرفعه في الآخرة فما دعا اللّٰه بعد ذلك في رفع شيء نزل و لا في إنزال شيء رفع و هذا هو المقام المجهول الذي جهله العارفون و ما ثبت فيه إلا المفردون و لو لا إن الأنبياء شرع لهم أن يشرعوا للخاص و العام حيث جعلهم اللّٰه أسوة لكانت حالتهم ما ذكرناه و لكن صلوات اللّٰه عليهم لازموا الحضور في سجود القلب عند التشريع و هذا غاية القوة حيث أعطوا حكم الحال المستصحب الذي لا يرتفع أبدا فغير النبي إذا علمه تكلف فيه و قد أعلمناك في غير ما موضع أن الأوائل في الأشياء هي المعتبرة في النسبة إلى اللّٰه و إنها الصدق الذي لا يدخله مين و القوة التي لا يشوبها ضعف في الخاطر الأول و النظرة الأولى و السماع الأول و الكلمة الأولى و الحركة الأولى كل أول لا يكون إلا مخلصا لله لا يقع فيه اشتراك ثم بعد الأول يدخل ما يدخل فيصدق و لا يصدق فانظر أول ما بديء به رسول اللّٰه ص من الوحي المبشرات فحازت المبشرات الأولية فكان لا يرى رؤيا إلا خرجت مثل فلق الصبح لأن فلق الصبح انفلق عن الليل كما انفلق صاحب هذه المبشرة عن النوم فانظر ما أحسن هذا التشبيه الذي شبهته به أمنا عائشة رضي اللّٰه عنها فأبقى اللّٰه على رجال هذه الأمة أول الوحي

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 86
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست