responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 85

و لا ينكسر قلبه حيث أراد نفوذ الاقتدار الإلهي و قصد خيرا و ليعلم الكامل العقل ما فضله اللّٰه به عليه فيزيد شكرا حيث لم يجعل اللّٰه عقله مثل هذا الناقص العقل فيعلم إن اللّٰه قد فضله عليه بدرجة لم ينلها من قصر عقله هذا القصور و قد قال جماعة بأن اللّٰه يقدر على المحال و الذي ينبغي أن يقال إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ كما قال اللّٰه و القدرة تطلب محلها الذي تتعلق به كما إن نسبة الإرادة تطلب محلها الذي تتعلق به كما إن العلم يطلب محله الذي يتعلق به نفيا كان أو إثباتا وجودا أو عدما و كذلك نسبة السمع و البصر و جميع ما نسب الحق لنفسه فالعالم الوافر العقل يعلم متعلق كل نسبة فيضيفها إليها و من عرف الأمور بمثل هذه المعرفة عرف حكم مقت اللّٰه بمن يقول ما لا يعمل من غير إن يقرن به المشيئة الإلهية فإذا علق المشيئة الإلهية بقوله إن يعمل فلا يكون ذلك العمل لم يمقته اللّٰه فإنه غاب عن انفراد الحق في الأعمال كلها التي تظهر على أيدي المخلوقين بالتكوين و أنه لا أثر للمخلوق فيها من حيث تكوينها و إن كان للمخلوق فيها حكم لا أثر فالناس لا يفرقون بين الأثر و الحكم فإن اللّٰه إذا أراد إيجاد حركة أو معنى من الأمور التي لا يصح وجودها إلا في مواد لأنها لا تقوم بأنفسها فلا بد من وجود محل يظهر فيه تكوين هذا الذي لا يقوم بنفسه فللمحل حكم في الإيجاد لهذا الممكن و ما له أثر فيه فهذا الفرق بين الأثر و الحكم إذا تحققته فلما ذا يقول العبد نعمل أو نفعل هكذا و لا أثر له في الفعل جملة واحدة فإن اللّٰه يمقته على ذلك و لما علم الحق أن هذا لا بد أن يقع من عباده و إنهم يقولون ذلك شرع لهم الاستثناء الإلهي ليرتفع المقت الإلهي عنهم و لهذا لا يحنث من استثنى إذا حلف على فعل مستقبل فإنه أضافه إلى اللّٰه لا إلى نفسه و هذا لا ينافي إضافة الأفعال إلى المخلوقين فإنهم محل ظهور الأفعال الإلهية و بهذا القدر تفاوتت درجات العقلاء أ لا ترى الحق تعالى كيف قال يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا و لم يقل يا أولي الألباب و لا يا أولي العلم لِمَ تَقُولُونَ مٰا لاٰ تَفْعَلُونَ فإن العالم العاقل لا يقول ما لا يفعل إلا بالاستثناء لأنه يعلم أن الفعل لله لا له فميز اللّٰه بين طبقات العالم ليعلموا أن اللّٰه تعالى قد رفع بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجٰاتٍ فالعقلاء العلماء هم المقصودون للحق من العالم بعموم كل خطاب لعلمهم بمواقع الخطاب فيعلمون أي صنف أراد من العالم بذلك الخطاب و لهذا نوع الأصناف بتنوع الآيات للمتفكرين و للعالمين و للعقلاء و لأولي الألباب كما قال تعالى في القرآن العزيز إنه بَلاٰغٌ لِلنّٰاسِ يريد طائفة مخصوصة لا يعقلون منه سوى إنه بلاغ وَ لِيُنْذَرُوا بِهِ في حق طائفة أخرى عينها بهذا الخطاب وَ لِيَعْلَمُوا أَنَّمٰا هُوَ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ في حق طائفة أخرى عينها بهذا الخطاب وَ لِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبٰابِ في حق طائفة أخرى أيضا و القرآن واحد في نفسه تكون الآية منه تذكرة لذي اللب و توحيد الطالب العلم بتوحيده و إنذارا للمترقب الحذر و بلاغا للسامع ليحصل له أجر السماع كالعجمي الذي لا يفهم اللسان فيسمع فيعظم كلام اللّٰه من حيث نسبته إلى اللّٰه و لا يعرف معنى ذلك اللفظ حتى يشرح له بلسانه و يترجم له عنه فمن جملة الخطابات الإلهية البشارات و هي على قسمين بشارة بما يسوء مثل قوله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ و بشارة بما يسوء مثل قوله تعالى فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَ أَجْرٍ كَرِيمٍ فكل خير يؤثر وروده في بشرة الإنسان الظاهرة فهو خبر بشري و ذلك لا يكون إلا في رجلين إما في شخص يكون في قوة نفسه أن لا تتغير بشرته بما يتحقق كونه و إما شخص غير مصدق بذلك الخبر من ذلك المخبر فلا يخلو هذا القوي النفس هل أثر ذلك الخبر في باطنه أو لم يؤثر فإن أثر خبر هذا المخبر في نفسه فهو أحد رجلين إما عالم محقق بوقوعه و إما مجوز و إن لم يؤثر في نفسه فهو غير عالم و لا مصدق معا فيكون ذلك الخبر في حق الأول بشرى متعلقها الصورة المتخيلة في نفسه التي تأثرت لهذا الخبر فلو لم تقم بخياله تلك الصورة المضاهية للصورة الحسية لما كانت بشرى في حقه و لا كانت تؤثر في باطنه سرورا و لا حزنا و إن لم يظهر ذلك في ظاهره فلو تجردت الأرواح عن المواد لما صحت البشائر في حقها و لا حكم عليها سرور و لا حزن و لكان الأمر لها علما مجردا من غير أثر فإن الالتذاذ الروحاني إنما سببه إحساس الحس المشترك مما يتأثر له المزاج من الملاءمة و عدم الملاءمة و بالقياسات و أما الأرواح بمجردها فلا لذة و لا ألم و قد يحصل ذلك لبعض العارفين في هذا الطريق قال أبو يزيد ضحكت زمانا و بكيت زمانا و أنا اليوم لا أضحك و لا أبكي و هو عين ما قلناه فإنه وقف مع مجرد روحه من غير نظر إلى طبيعته فما شاهد إلا علما محضا كما يرتفع عن النظر في توحيد الحق

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 85
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست