responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 79

مسألة جليلة القدر لا يعلمها كثير من الناس أعني هذه الأمور التي خرجت من الغيب إلى الشهادة ثم انتقلت إلى الغيب و هي الأعراض الكونية هل هي أمور وجودية عينية أو هي أحوال لا تتصف بالعدم و لا بالوجود و لكن تعقل فهي نسب و هي من الأسرار التي حار الخلق فيها ليست هي اللّٰه و لا لها وجود عيني فتكون من العالم أو تكون مما سوى اللّٰه فهي حقائق معقولة إذا نسبتها إلى اللّٰه عز و جل قبلها و لم تستحل عليه و إذا نسبتها إلى العالم قبلها و لم تستحل عليه ثم إنها تنقسم إلى قسمين في حق اللّٰه فمنها ما يستحيل نسبته إلى اللّٰه فلا تنسب إليه و منها ما لا تستحيل عليه فالذي لا يستحيل على اللّٰه يقبله العالم كله إلا نسبة الإطلاق فإن العالم لا يقبله و نسبة التقييد يقبله العالم و لا يقبله اللّٰه و هذه الحقائق المعقولة لها الإطلاق الذي لا يكون لسواها فيقبلها الحق و العالم و ليست من الحق و لا من العالم و لا هي موجودة و لا يمكن أن ينكر العقل العالم بها فمن هنا وقعت الحيرة و عظم الخطب و افترق الناس و حارت الحيرات فلا يعلم ذلك إلا اللّٰه و من أطلعه اللّٰه على ذلك و ذلك هو الغيب الصحيح الذي لا يوجد منه شيء فيكون شهادة و لا ينتقل إليه بعد الشهادة و ما هو محال فيكون عدما محضا و لا هو واجب الوجود فيكون وجودا محضا و لا هو ممكن يستوي طرفاه بين الوجود و العدم و ما هو غير معلوم بل هو معقول معلوم فلا يعرف له حد و لا هو عابد و لا معبود و كان إطلاق الغيب عليه أولى من إطلاق الشهادة لكونه لا عين له يجوز أن تشهد وقتا ما فهذا هو الغيب الذي انفرد الحق به سبحانه حيث قال عٰالِمُ الْغَيْبِ و ما قرنه بالشهادة فَلاٰ يُظْهِرُ عَلىٰ غَيْبِهِ أَحَداً و الغيب الذي قرنه بالشهادة هو الذي يقابل الشهادة فوصف الحق نفسه بعلم المتقابلين فقال عٰالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهٰادَةِ هذا هو المراد هنا و إن اشترك هذا مع الغيب في الاسمية فإن قلت فما فائدة الاستثناء في قوله إِلاّٰ مَنِ ارْتَضىٰ مِنْ رَسُولٍ قلنا تدبر ما هو الغيب الذي اطلع عليه الرسل و بما ذا ربطه فتعلم إن ذلك علم التكليف الذي غاب عنه العباد و لهذا جعل له الملائكة رصدا حذرا من الشياطين أن تلقي إليه ما ينقله إلى الخلق و يعمل به في نفسه من التكليف الذي جعله اللّٰه طريقا إلى سعادة العباد من أمر و نهي لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسٰالاٰتِ رَبِّهِمْ فكأنه مستثنى منقطع أي انقطع هذا الغيب من ذلك الغيب انقطاعا حقيقيا لا انقطاع جزء من كل لما وقع الاشتراك في لفظة الغيب لذلك قلنا مستثنى و لما خالفه في الحقيقة قلنا منقطع بخلاف المستثنى المتصل فإنه أيضا منقطع و لكن بالحال لا بالذات تقول في المتصل ما في الدار إنسان إلا زيدا فهذا المستثنى متصل لأنه إنسان قد فارق غيره من الأناسي بحالة كونه في الدار لا بحقيقته إذ لم يكن في الدار إنسان إلا هو فالانقطاع في الحال لا غير فإذا قلت ما في الدار إنسان إلا حمارا فهذا منقطع بالحقيقة و الحال فكذلك الغيب الذي يطلع عليه الرسل بالرصد من الملائكة من أجل المردة من الشياطين هو الرسالة التي يبلغونها عن اللّٰه و لهذا قال لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسٰالاٰتِ رَبِّهِمْ فأضاف الرسالة إلى قوله ربهم لما علموا إن الشياطين لم تلق إليهم أعني إلى الرسل شيئا فتيقنوا إن تلك رسالة من اللّٰه لا من غيره و هل هذا القدر الذي عبر عنه في هذه السورة المعينة في قوله إِلاّٰ مَنِ ارْتَضىٰ مِنْ رَسُولٍ هل ذلك الإعلام لهذا الرسول بوساطة الملك أو لم يكن في هذا الوحي الخاص ملك و هو الأظهر و الأوجه و الأولى و تكون الملائكة تحف أنوارها برسول اللّٰه ص كالهالة حول القمر و الشياطين من ورائها لا تجد سبيلا إلى هذا الرسول حتى يظهر اللّٰه له في إعلامه ذلك من الوحي ما شاء و لكن من علم التكليف الذي غاب عنه و عن العباد علمه خلافا لمخالفي أهل الحق في ذلك إذ يرون أن العبد يعلم بعض القربات إلى اللّٰه بعقله لا كلها و هذا القول لا يصح منه شيء فلا يعلم القربة إلى اللّٰه التي تعطي سعادة الأبد للعبد إلا من يعلم ما في نفس الحق و لا يعلم ذلك أحد من خلق اللّٰه إلا بإعلام اللّٰه كما قال وَ لاٰ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّٰ بِمٰا شٰاءَ فليس في كتابنا هذا و لا في غيره أصعب من تصور هذه المسألة على كل طائفة

[إن اللّٰه إذا أوقف العبد علم أنه معتنى به]

و اعلم أن العبد إذا أوقفه الحق تعالى كما قلنا بين اللّٰه و بين كل ما سواه و هذه بينية إله و عبد لا بينية حد فإن اللّٰه يتعالى جده أن يعلم حده فإذا وقف العبد في هذا المقام علم أنه معتنى به حيث شغله اللّٰه تعالى بمطالعة الانفعالات عنه و إيجاد الأعيان من قدرته تعالى و اتصافها بالوجود في حضرة إمكانها ما أخرجها منها و لا حال بينها و بين موطنها لكنه كساها خلعة الوجود فاتصفت به بعد أن كانت موصوفة بالعدم مع ثبوت العين في الحالين و بقي الكلام في ذلك الوجود الذي كساه الحق لهذا الممكن و لم يخرجه عن موطنه ما هو ذلك الوجود هل كان معدوما و وجد فالوجود لا يكون عدما

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست