responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 73

فإنه لا تقتضيه حقيقته و إنما عين له سببا دون سبب فقال له أنا سببك فعلي فاعتمد و توكل كما ورد وَ عَلَى اللّٰهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فالرجل من أثبت الأسباب فإنه لو نفاها ما عرف اللّٰه و لا عرف نفسه و

قال ص من عرف نفسه عرف ربه و لم يقل عرف ذات ربه فإن ذات الرب لها الغني على الإطلاق و أنى للمقيد بمعرفة المطلق و الرب يطلب المربوب بلا شك ففيه رائحة التقييد فبهذا عرف المخلوق ربه و لذلك أمره أن يعلم أنه لا إله إلا هو من كونه إلها لأن الإله يطلب المألوه و ذات الحق غنية عن الإضافة فلا تتقيد فإثبات الأسباب أدل دليل على معرفة المثبت لها بربه و من رفعها رفع ما لا يصح رفعه و إنما ينبغي له أن يقف مع السبب الأول و هو الذي خلق هذه الأسباب و نصبها و من لا علم له بما أشرنا إليه لا يعلم كيف يسلك الطريق إلى معرفة ربه بالأدب الإلهي فإن رافع الأسباب سيئ الأدب مع اللّٰه و من عزل من ولاة اللّٰه فقد أساء الأدب و كذب في عزل ذلك الوالي فانظر ما أجهل من كفر بالأسباب و قال بتركها و من ترك ما قرره الحق فهو منازع لا عبد و جاهل لا عالم و إني أعظك يا ولي أن تكون من الجاهلين الغافلين و أراك في الحين تكذب نفسك في ترك الأسباب فإني أراك في وقت حديثك معي في ترك الأسباب و رميها و عدم الالتفات إليها و القول بترك استعمالها يأخذك العطش فتترك كلامي و تجري إلى الماء فتشرب منه لتدفع بذلك ألم العطش و كذلك إذا جعت تناولت الخبز فأكلت و غايتك إن لا تتناوله بيدك حتى يجعل في فمك فإذا حصل في فمك مضغته و ابتلعته فما أسرع ما أكذبت نفسك بين يدي و كذلك إذا أردت أن تنظر افتقرت إلى فتح عينك فهل فتحتها إلا بسبب و إذا أردت زيارة صديق لك سعيت إليه و السعي سبب في وصولك إليه فكيف تنفي الأسباب بالأسباب أ ترضى لنفسك بهذه الجهالة فالأديب الإلهي العالم من أثبت ما أثبته اللّٰه في الموضع الذي أثبته اللّٰه و على الوجه الذي أثبته اللّٰه و من نفى ما نفاه اللّٰه في الموضع الذي نفاه اللّٰه و على الوجه الذي نفاه اللّٰه ثم تكذب نفسك إن كنت صالحا في عبادتك ربك أ ليست عبادتك سببا في سعادتك و أنت تقول بترك الأسباب فلم لا تقطع العمل فما رأيت أحدا من رسول و لا نبي و لا ولي و لا مؤمن و لا كافر و لا شقي و لا سعيد خرج قط عن رق الأسباب مطلقا أدناها التنفس فيا تارك السبب لا تتنفس فإن التنفس سبب حياتك فأمسك نفسك حتى تموت فتكون قاتل نفسك فتحرم عليك الجنة و إذا فعلت هذا فأنت تحت حكم السبب فإن ترك التنفس سبب لموتك و موتك على هذه الصورة سبب في شقائك فما برحت من السبب فما أظنك عاقلا إن كنت تزعم أن ترفع ما نصبه اللّٰه و أقامه علما مشهودا و دع عنك ما تسمع من كلام أهل اللّٰه تعالى فإنهم لم يريدوا بذلك ما توهمته بل جهلت ما أرادوه بقطع الأسباب كما جهلت ما أراده الحق بوضع الأسباب و قد ألقيت بك على مدرجة الحق و أبنت لك الطريقة التي وضعها اللّٰه لعباده و أمرهم بالمشي عليها فاسلك وَ عَلَى اللّٰهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ... وَ لَوْ شٰاءَ لَهَدٰاكُمْ أَجْمَعِينَ و بعد هذا

[إن العبد تارة يقيمه الحق في معصيته و تارة يقيمه في طاعته]

فاعلم إن العبد تارة يقيمه الحق في معصيته و تارة يقيمه في طاعته فأنا أبين لك من أين وقع للعبد هذا القبول للأمرين و نبين لك رتبة الإنسان من العالم و إن الإنسان له أمثال من جنسه و العالم بجملته ليس له مثل و ما يتعلق بهذه المسألة من الحقائق و الأسرار بعد أن نجمع معاني ما أريد تفصيلها في نظم يكون لك كالأم الجامعة المختصرة الضابطة لرءوس المسائل حتى إذا أردت أن تبسطها لغيرك نبهك هذا النظم على عيونها فقلنا في ذلك نكني عن العبد

إذا عصى اللّٰه قد وفى حقيقته و إن أطاع فقد وفى طريقته
لو لا القبول لما كان الوجود له و الخلق يطلب بالمعنى خليقته
إن المحال دليل إن نظرت فلا تعدل به حجة فاعلم حقيقته
لا يقبل الكون و الإمكان يقبله فكل أمر فقد وفى سليقته
لذاك فزنا من الأعلى بصورته عناية منه أعطاها خليقته
لو كان للكون مثل عق تكرمة له ليطعمه جودا عقيقته
لكنه مفرد و الحق ليس له عين التغذي فما أعطاه صورته

[أن العالم كان ممكنا و لم يكن محالا قبل حاله الوجود]

اعلم وفقك اللّٰه أيها الولي الحميم أن العالم لما كان ممكنا و لم يكن محالا قبل حاله الوجود و المحال لا يقبل الوجود فخالفت

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 73
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست