responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 70

إلا بفتوى فقيه و خط يده عندي بجواز ذلك فعليهم لعنة اللّٰه و لقد أفتاني فقيه هو فلان و عين لي أفضل فقيه عنده في بلده في الدين و التقشف بأنه لا يجب على صوم شهر رمضان هذا بعينه بل الواجب على شهر في السنة و الاختيار لي فيه أي شهر شئت من شهور السنة قال السلطان فلعنته في باطني و لم أظهر له ذلك و هو فلان و سماه لي رحم اللّٰه جميعهم فلتعلم إن الشيطان قد مكنه اللّٰه من حضرة الخيال و جعل له سلطانا فيها فإذا رأى الفقيه يميل إلى هوى يعرف أنه يردي عند اللّٰه زين له سوء عمله بتأويل غريب يمهد له فيه وجها يحسنه في نظره و يقول له إن الصدر الأول قد دانوا اللّٰه بالرأي و قاس العلماء في الأحكام و استنبطوا العلل للأشياء و طردوها و حكموا في المسكوت عنه بما حكموا به في المنصوص عليه للعلة الجامعة بينهما و العلة من استنباطه فإذا مهد له هذه السبيل جنح إلى نيل هواه و شهوته بوجه شرعي في زعمه فلا يزال هكذا فعله في كل ماله أو لسلطانه فيه هوى نفس و يرد الأحاديث النبوية و يقول لو أن هذا الحديث يكون صحيحا و إن كان صحيحا يقول لو لم يكن له خبر آخر يعارضه و هو ناسخ له لقال به الشافعي إن كان هذا الفقيه شافعيا أو لقال به أبو حنيفة إن كان الرجل حنفيا و هكذا أقوال أتباع هؤلاء الأئمة كلهم و يرون أن الحديث و الأخذ به مضلة و أن الواجب تقليد هؤلاء الأئمة و أمثالهم فيما حكموا به و إن عارضت أقوالهم الأخبار النبوية فالأولى الرجوع إلى أقاويلهم و ترك الأخذ بالأخبار و الكتاب و السنة فإذا قلت لهم قد روينا عن الشافعي رضي اللّٰه عنه أنه قال إذا أتاكم الحديث يعارض قولي فاضربوا بقولي الحائط و خذوا بالحديث فإن مذهبي الحديث و قد روينا عن أبي حنيفة أنه قال لأصحابه حرام على كل من أفتى بكلامي ما لم يعرف دليلي و ما روينا شيئا من هذا عن أبي حنيفة إلا من طريق الحنفيين و لا عن الشافعي إلا من طريق الشافعية و كذلك المالكية و الحنابلة فإذا ضايقتهم في مجال الكلام هربوا و سكتوا و قد جرى لنا هذا معهم مرارا بالمغرب و بالمشرق فما منهم أحد على مذهب من يزعم أنه على مذهبه فقد انتسخت الشريعة بالأهواء و إن كانت الأخبار موجودة مسطرة في الكتب الصحاح و كتب التواريخ بالتجريح و التعديل موجودة و الأسانيد محفوظة مصونة من التغيير و التبديل و لكن إذا ترك العمل بها و اشتغل الناس بالرأي و دانوا أنفسهم بفتاوى المتقدمين مع معارضة الأخبار الصحاح لها فلا فرق بين عدمها و وجودها إذ لم يبق لها حكم عندهم و أي نسخ أعظم من هذا و إذا قلت لأحدهم في ذلك شيئا يقول لك هذا هو المذهب و هو و اللّٰه كاذب فإن صاحب المذهب قال له إذا عارض الخبر كلامي فخذ بالحديث و اترك كلامي في الحش فإن مذهبي الحديث فلو أنصف لكان على مذهب الشافعي من ترك كلام الشافعي للحديث المعارض فالله يأخذ بيد الجميع و بعد أن تبين ما قررناه

[إن الإنسان إذا زهد في غرضه أقام له الحق عوضا من صورة نفسه صورة هداية إلهية]

فاعلم إن الإنسان إذا زهد في غرضه و رغب عن نفسه و آثر ربه أقام له الحق عوضا من صورة نفسه صورة هداية إلهية حقا من عند حق حتى يرفل في غلائل النور و هي شريعة نبيه و رسالة رسوله فيلقي إليه من ربه ما يكون فيه سعادته فمن الناس من يراها على صورة نبيه و منهم من يراها على صورة حاله فإذا تجلت له في صورة نبيه فليكن عين فهمه فيما تلقي إليه تلك الصورة لا غير فإن الشيطان لا يتمثل على صورة نبي أصلا فتلك حقيقة ذلك النبي و روحه أو صورة ملك مثله عالم من اللّٰه بشريعته فما قال له فهو ذاك و نحن قد أخذنا عن مثل هذه الصورة أمورا كثيرة من الأحكام الشرعية لم نكن نعرفها من جهة العلماء و لا من الكتب فلما عرضت ما خاطبتني به تلك الصورة من الأحكام الشرعية على بعض علماء بلادنا ممن جمع بين الحديث و المذاهب فأخبرني بجميع ما أخبرته به أنه روى في الصحيح عن النبي ص ما غادر حرفا واحدا و كان يتعجب من ذلك حتى أنه من جملة ذلك رفع اليدين في الصلاة في كل خفض و رفع و لا يقول بذلك أهل بلادنا جملة واحدة و ليس عندنا من يفعل ذلك و لا رأيته فلما عرضته على محمد بن علي بن الحاج و كان من المحدثين روى لي فيه حديثا صحيحا عن رسول اللّٰه ص ذكره مسلم و وقفت عليه بعد ذلك في صحيح مسلم لما طالعت الأخبار و رأيت بعد ذلك أن فيه رواية عن مالك بن أنس رواها ابن وهب و ذكر أبو عيسى الترمذي هذا الحديث و قال و به يقول مالك و الشافعي و كذا اتفق لي في الأخذ من صورة نبيي ص ما يعرض علي من الأحكام المشروعة التي لم يكن لنا علم بها و أما إذا ظهرت له على غير صورة رسوله فتلك الصورة

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 70
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست