responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 6

«الباب الأحد و ثلاثمائة في معرفة منزل الكتاب المقسوم بين أهل النعيم و أهل العذاب»



إن المقرب من كانت سجيته سجية البر و الأبرار تجهله
القرب منزل من لا شيء يشبهه عينا قد أنزله فيه منزله
إجماله قد علا قدسا و منزلة و لا لسان لمخلوق يفصله
إن العوالم بالميزان تدركها فلا تفرط و لا تفرط فتهمله
القرب أمر إضافي فرب أذى يكون قوتا لنفس منه تسأله
فليعطه سؤله إن كان ذا كرم و ليتق الشح أن الشح يقتله
إن العذاب الذي يأتيك من كثب قد كنت بالغير في دنياك تنزله
و من آتاه الذي قد كان يفعله فكيف ينكره أم كيف يجهله
قال اللّٰه عز و جل (الرَّحْمٰنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ) على أي قلب ينزل (خَلَقَ الْإِنْسٰانَ) فعين له الصنف المنزل عليه (عَلَّمَهُ الْبَيٰانَ) أي نزل عليه القرآن فأبان عن المراد الذي في الغيب (الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبٰانٍ) ميزان حركات الأفلاك (وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدٰانِ) لهذا الميزان أي من أجل هذا الميزان فمنه ذو ساق و هو الشجر و منه ما لا ساق له و هو النجم فاختلفت السجدتان (وَ السَّمٰاءَ رَفَعَهٰا) و هي قبة الميزان (وَ وَضَعَ الْمِيزٰانَ) ليزن به الثقلان (أَلاّٰ تَطْغَوْا فِي الْمِيزٰانِ) بالإفراط و التفريط من أجل الخسران (وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) مثل اعتدال نشأة الإنسان إذ الإنسان لسان الميزان (وَ لاٰ تُخْسِرُوا الْمِيزٰانَ) أي لا تفرطوا بترجيح إحدى الكفتين إلا بالفضل و قال تعالى وَ نَضَعُ الْمَوٰازِينَ الْقِسْطَ

[ما من صنعة و لا مرتبة إلا و الوزن حاكم عليه علما و عملا]

فاعلم أنه ما من صنعة و لا مرتبة و لا حال و لا مقام إلا و الوزن حاكم عليه علما و عملا فللمعاني ميزان بيد العقل يسمى المنطق يحوي على كفتين تسمى المقدمتين و للكلام ميزان يسمى النحو يوزن به الألفاظ لتحقيق المعاني التي تدل عليه ألفاظ ذلك اللسان و لكل ذي لسان ميزان و هو المقدار المعلوم الذي قرنه اللّٰه بإنزال الأرزاق فقال وَ مٰا نُنَزِّلُهُ إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ وَ لٰكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مٰا يَشٰاءُ و قد خلق جسد الإنسان على صورة الميزان و جعل كفتيه يمينه و شماله و جعل لسانه قائمة ذاته فهو لأي جانب مال و قرن اللّٰه السعادة باليمين و قرن الشقاء بالشمال و جعل الميزان الذي يوزن به الأعمال على شكل القبان و لهذا وصف بالثقل و الخفة ليجمع بين الميزان العددي و هو قوله تعالى بِحُسْبٰانٍ و بين ما يوزن بالرطل و ذلك لا يكون إلا في القبان فلذلك لم يعين الكفتين بل قال فَأَمّٰا مَنْ ثَقُلَتْ مَوٰازِينُهُ في حق السعداء وَ أَمّٰا مَنْ خَفَّتْ مَوٰازِينُهُ في حق الأشقياء و لو كان ميزان الكفتين لقال و أما من ثقلت كفة حسناته فهو كذا و أما من ثقلت كفة سيئاته فهو كذا و إنما جعل ميزان الثقل هو عين ميزان الخفة كصورة القبان و لو كان ذا كفتين لوصف كفة السيئات بالثقل أيضا إذا رجحت على الحسنات و ما وصفها قط إلا بالخفة فعرفنا إن الميزان على شكل القبان و من الميزان الإلهي قوله تعالى أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ و

قال ص وزنت أنا و أبو بكر فرجحت و وزن أبو بكر بالأمة فرجحها!

[الأمر محصور في علم و عمل]

و اعلم أن الأمر محصور في علم و عمل و العمل على قسمين حسي و قلبي و العلم على قسمين عقلي و شرعي و كل قسم فعلى وزن معلوم عند اللّٰه في إعطائه و طلب من العبد لما كلفه أن يقيم الوزن بالقسط فلا يطغى فيه و لا يخسره فقال تعالى لاٰ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ و هو معنى أَلاّٰ تَطْغَوْا فِي الْمِيزٰانِ و لاٰ تَقُولُوا عَلَى اللّٰهِ إِلاَّ الْحَقَّ و هو قوله وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ فطلب العدل من عباده في معاملتهم مع اللّٰه و مع كل ما سوى اللّٰه من أنفسهم و غيرهم فإذا وفق اللّٰه العبد لإقامة الوزن فما أبقى له خيرا إلا أعطاه إياه فإن اللّٰه قد جعل الصحة و العافية في اعتدال الطبائع و أن لا يترجح إحداهن على الأخرى و جعل العلل و الأمراض و الموت بترجيح بعضهن على بعض فالاعتدال سبب البقاء و الانحراف سبب الهلاك و الفناء و ترجيح الميزان في موطنه هو إقامته و خفة الميزان في موطنه إقامته فهو بحسب المقامات و إذا كان الأمر على ما قررناه

[إن المحقق هو الذي يقيم هذا الميزان على حسب ما يقتضيه من الرجحان]

فاعلم إن المحقق هو الذي يقيم هذا الميزان في كل حضرة من علم و عمل على حسب ما يقتضيه من الرجحان و الخفة في الموزون بالفضل في موضعه و الاستحقاق

فإن النبي ص ندب في

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 6
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست