responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 5

تقع بيد الرحمن فالرحمن قابلها فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله و لم يقل كما يربي أحدكم ولده فإن الولد قد لا ينتفع به إذا كان ولد سوء فالنفع بالولد غير محقق بل ربما يطرأ عليه منه من الضرر بحيث أن يتمنى أن اللّٰه لم يخلقه و الفلو و الفصيل ليس كذلك فإن المنفعة بهما محققة و لا بد إما بركوبه أو بما يحمل عليه أو بثمنه أو بلحمه يأكله إن احتاج إليه فشبهه سبحانه بما يتحقق الانتفاع به ليعلم المصدق أنه ينتفع بصدقته و لا بد و أول الانتفاع بها إنها تظله يوم القيامة من حر الشمس حتى يقضى بين الناس و مما يلده الإنسان الكلمة الطيبة و

قد قال ص إن الكلمة الطيبة صدقة فتربي أيضا له و يتولى الحق بنفسه تربية كل ما يلده العبد من النكاح لا من السفاح و إذا كان الملك يتولى تربية ولد عبده بنفسه هل يقدر ما يصل إليه من الخير من جهة ولده فأول ذلك إن الولد يعرف منزلة أبيه من الملك و إنه ما رباه الملك و أكرمه بذلك إلا لعلو رتبة أبيه عنده فيرى المنة لأبيه عليه بذلك فيكون بارا به محسنا إليه بنفسه إعظاما لمرتبة الملك و عنايته بأبيه و على هذا تجري أفعال العارفين من عباده و كل ما تكلمنا فيه من هذا المنزل فهو من خارج بابه لم نتعرض لما يحوي عليه لضيق الوقت و طلب الاختصار و ما اتفق لي مثل هذا في العبارة عن غيره من المنازل لأني وجدت عند باب هذا المنزل صور علم ما ذكرته و لم نستوف جميع ما رأيته على بابه فكان هذا القدر مما في هذا المنزل كالغلمان و الحدادين و الحجاب الذين على باب الملك و أما فهرست ما يتضمنه هذا المنزل فهو معرفة العالم العلوي و السفلي بين الدارين و علم إبراز الغيوب من خلف الحجب و لما ذا حجبت و لما ذا أخرجت و ما أخرج منها و ما بقي و ما ينتظر إخراجه من ذلك و ما لا يصح إخراجه مما هو ممكن أن يخرج فمنعه مانع فما ذلك المانع و هل يخرج عن سماع أو عن غير سماع و إذا كان عن سماع فعن كراهة أو عن محبة و سرور أو ينقسم إلى هذا و إلى هذا بحسب الأحوال التي تعطيها الأوقات و من علوم هذا المنزل أيضا علم الزيادة في الشيء من نفسه لا من غيره كنشر المطوي و بسط المقبوض و علم إخراج الكنوز المحسوسة بالأسماء و ما تعطيه من الخواص في ذلك بحيث أن يقف العارف بذلك على موضع الكنز فيتكلم بالاسم فيشق الأرض عن المال المكنوز فيها كما تنشق الكمامة عن الزهرة فإذا أبصرها تكلم باسم آخر فيخرج المال بتلك الخاصية كما ينجذب الحديد إلى المغناطيس حتى لا يبقى من ذلك المال في ذلك الموضع شيء و يتضمن علم الأعمال المشروعة و أين ما لها و ما يلقاه منها و يتضمن علم السعادة و الشقاء بالعلامات و يتضمن علم الجهات و لما ذا ترجع و اتصاف الحق بالفوقية هل هي فوقية جهة أو فوقية رتبة و يتضمن معرفة أحوال الناس في منازلهم التي ينزلونها في الدار الآخرة و ما سبب تلك الأحوال التي يتقلبون فيها في تلك المنازل و هل تتكرر عليهم بأعيانها في أزمنتها التي كانت فيها أم لا و يتضمن رؤية اللّٰه عباده لآية نسبة ترجع و يتضمن شرف الكواكب و الزمان من غير مفاضلة و يتضمن علم نفي الايمان مع وجود العلم و هذا من أقلق الأمور عند المحقق و فيها علم البشري و إنها لا تختص بالسعداء في الظاهر و إن كانت مختصة بالخير فقوله تعالى فَبَشِّرْهُمْ بِعَذٰابٍ أَلِيمٍ و الكلام على هذه البشرى لغة و عرفا فأما البشرى من طريق العرف فالمفهوم منها الخير و لا بد و لما كان هذا الشقي ينتظر البشرى في زعمه لكونه يتخيل أنه على الحق قيل بشره لانتظاره البشرى و لكن كانت البشرى له بعذاب أليم و أما من طريق اللغة فهو إن يقال له ما يؤثر في بشرته فإنه إذا قيل له خير أثر في بشرته بسط وجه و ضحكا و فرحا و اهتزاز أو طربا و إذا قيل له شر أثر في بشرته قبضا و بكاء و حزنا و كمدا و اغبرارا و تعبيسا و لذلك قال تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضٰاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهٰا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهٰا قَتَرَةٌ فذكر ما أثر في بشرتهم فلهذا كانت البشرى تنطلق على الخير و الشر لغة و أما في العرف فلا و لهذا أطلقها اللّٰه تعالى و لم يقيدها فقال في حق المؤمنين لَهُمُ الْبُشْرىٰ فِي الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا وَ فِي الْآخِرَةِ و لم يقل بما ذا فإن العرف يعطي أن ذلك بالخير و قرينة الحال و فيه العلم بالأبد و لما ذا يرجع و هل الأبد زماني أو هو عين الزمان و بما ذا يبقى الزمان هل يبقى بنفسه أو يبقى بغيره يكون له ذلك الغير كهو معنا ظرفا لبقائه و دوامه أو هو أمر متوهم ليس له وجود حقيقي عيني وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 5
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست