responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 59

مثل هذه العلوم بالتبليغ و ما نذكر منها ما نذكر إلا للمؤمنين العقلاء الذين اشتغلوا بتصفية نفوسهم مع اللّٰه و ألزموا نفوسهم التحقق بذلة العبودية و الافتقار إلى اللّٰه في جميع الأحوال فنور اللّٰه بصيرتهم إما بالعلم و إما بالإيمان و التسليم لما جاء به الخبر عن اللّٰه و كتبه و رسله فتلك العناية الكبرى و المكانة الزلفى و الطريقة المثلى و السعادة العظمى ألحقنا اللّٰه بمن هذه صفته و أما ما يتضمن هذا المنزل من العلوم فهو يتضمن علم الحق و منه ما كنا بسبيله في شرح وجوب العذاب و فيه أيضا علم الاسم الإلهي الذي يستفهم منه الحق عباده مثل قوله يوم يجمع اللّٰه الرسل فيقول ما ذا أجبتم و هو أعلم و مثل قوله كيف تركتم عبادي يقوله للملائكة الذين باتوا فينا ثم عرجوا إليه و هو علم شريف و فيه الزواجر الإلهية و هل هي كونية أو إلهية و علم السبب الموجب لهلاك الأمم عند كفرهم و من هلك من المؤمنين بهلاكهم و هلاك المقلدة معهم كل ذلك في الدنيا و من يخرج من هذا الهلاك في الآخرة و لما ذا وقع الهلاك بالمؤمنين حين وقع بالكافرين فعم الجميع و اختلفت الصفة و هل هذا من الركون كما قال وَ لاٰ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا و علم الركون الموجب لمس النار إياهم هل هو ركون حسي أو معنوي و قوله بتضعيف العذاب على الركون و إن قصد خيرا قال تعالى لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لَأَذَقْنٰاكَ ضِعْفَ الْحَيٰاةِ وَ ضِعْفَ الْمَمٰاتِ ما سبب هذا الضعف الذي هو أشد من العذاب المستحق بالأصالة و ما مراد اللّٰه في مثل هذه الآية التي لا يعلم ما فيها إلا بتعريف اللّٰه و هو علم عظيم بتضمنه هذا المنزل و من أهلك بنفسه و من أهلك بغيره و ما حد الهلاك بالغير و ما حد الهلاك بالنفس و ما مقدار زمانه و هل الهلاك في اختلاف أنواعه لاختلاف الأحوال في الهالكين أو لاختلاف حقائق الأسماء الإلهية حتى يأخذ كل اسم إلهي بهذا المقام قسطه من العذاب و ما ينعدم من الأسماء بعد وجودها و ما يبقى و لا ينعدم بهلاك أو غيره و علم الفرق بين من عصى اللّٰه و عصى رسوله و عصى أولي الأمر و ما يتضمنه عصيان الرسول و عصيان أولي الأمر من معصية اللّٰه فإن في عصيانهم عصيان أمر اللّٰه و ليس في عصيان اللّٰه عصيانهم إلا في الرسول خاصة فإن في عصيان اللّٰه عصيان رسول اللّٰه إذ متعلق المعصية الأمر الإلهي و النهي و لا يعرف ذلك إلا بتبليغ الرسول و على لسانه فإن اللّٰه لا يبلغ أمره إلا رسل اللّٰه و ليس لغير الرسل من البشر هذا المقام و مع هذا فلله أمر يعصى فيه و للرسول أمر يعصى فيه و ثم أمر بجمع فيه معصية اللّٰه و رسوله فكل أمر يتعلق بجناب اللّٰه ليس لمخلوق فيه دخول فتلك معصية اللّٰه و كل أمر يتعلق بجناب المخلوق الذي هو رسول اللّٰه فتلك معصية الرسول و كل أمر يتضمن الجانبين فتلك معصية اللّٰه و رسوله قال اللّٰه تعالى وَ مَنْ يَعْصِ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ و قال و معصية الرسول فأفرده و قال وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّٰهِ فَقَدْ ضَلَّ فأفرد نفسه و علم من يستحق العظمة و الصفة التي تطلبها و علم التذكير و علم السماع من الحق و علم الملك و ملك الملك و علم ملك العزة و علم الملك الحامل و علم الملك المحمول و علم ملك الهباء و علم الهول الأعظم و علم الكنز الذي تحت العرش

قال ص إن لا حول و لا قوة إلا بالله خرجت من كنز تحت العرش و ما هو الكنز و ما يتضمن من الذكر المكنوز فيه سوى لا حول و لا قوة إلا بالله و علم القوة الإلهية و الكونية و علم ضم المعاني بعضها إلى بعض في حضرة الكلمات و هل لها انضمام في أنفسها مجردة عن مواد الكلمات أو ليس لها ضم في أنفسها و إذا لم يكن لها ضم فهل ذلك لاستحالة الأمر في نفسه فلا يقبل الانضمام أو بإرادة اللّٰه و ما الفرق بين كتابة المخلوق و كتابة الخالق و هو علم عجيب رأيناه و شاهدناه

فإن النبي ص خرج و في يديه كتابان مطويان قابض بكل يد على كتاب فسأل أصحابه أ تدرون ما هذان الكتابان فأخبرهم إن في الكتاب الذي بيده اليمنى أسماء أهل الجنة و أسماء آبائهم و قبائلهم و عشائرهم من أول من خلقه اللّٰه إلى يوم القيامة و في اليد الأخرى في الكتاب الآخر أسماء أهل النار و أسماء آبائهم و قبائلهم و عشائرهم إلى يوم القيامة و لو أخذ المخلوق يكتب هذه الأسماء على ما هي عليه في هذين الكتابين لما قام بذلك كل ورق في العالم فمن هنا يعرف كتابة اللّٰه من كتابة المخلوقين(و قد حكي)عن بعض البله من أهل الحاج أنه لقي رجلا و هو يطوف طواف الوداع فأخذ ذلك الرجل يمازح هذا الأبله هل أخذت من اللّٰه براءتك من النار فقال الأبله لا و هل أخذ الناس ذلك قال له نعم فبكى ذلك الأبله و دخل الحجر و تعلق بأستار الكعبة و جعل يبكي و يطلب

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 59
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست