responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 564

«فصل»في قوله تعالى وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيّٰامِ اللّٰهِ

و أما تذكيره بأيام اللّٰه فهي أيام الأنفاس على الحقيقة فإنها أقل ما ينطلق عليه اسم يوم فهو أن تذكره بقوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ فتلك أيام اللّٰه و أنت في غفلة عنها و تدخل في مضمون قوله تعالى إِنَّ فِي ذٰلِكَ إشارة إلى قوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ مع غير ذلك لعبرة لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ أي لمن له فطنة بالتقلب في الأحوال أو تقلب الأحوال عليه فيعلم من ذلك شئون الحق و حقائق الأيام التي الحق فيها في شأن فالشأن واحد العين و القوابل مختلفة كثيرة يتنوع فيها هذا الشأن بتنوعها و اختلافها فهو من اللّٰه واحدة و في صور العالم كثيرة كالصورة الواحدة في المرايا الكثيرة و الظلالات الكثيرة من الشخص الواحد للسرج المتعددة هكذا الأمر أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ لما يتلى عليه من قوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ و أمثاله وَ هُوَ شَهِيدٌ من نفسه تقلب أحواله فيكون على بصيرة في ذلك من اللّٰه فهذه أيام اللّٰه التي ينبغي أن يذكر العبد بها إلى أمثال ذلك من أيام اللّٰه و هي أيام النعم و أيام الانتقام التي أخذ اللّٰه فيها المقرون الماضية و اعلم أن البلايا أكثر من النعم في الدنيا فإنه ما من نعمة ينعمها اللّٰه على عباده تكون خالصة من البلاء فإن اللّٰه يطالبه بالقيام بحقها من الشكر عليها و إضافتها إلى من يستحقها بالإيجاد و أن يصرفها في الموطن الذي أمره الحق أن يصرفها فيه فمن كان شهوده في النعم هذا الشهود متى يتفرغ للالتذاذ بها و كذلك في الرزايا هي في نفسها مصائب و بلايا و يتضمنها من التكليف ما يتضمنه النعم من طلب الصبر عليها و رجوعه إلى الحق في رفعها عنه و تلقيها بالرضى أو الصبر الذي هو حبس النفس عن الشكوى بالله إلى غير اللّٰه و هذا غاية الجهل بالله لأنك تشكو بالقوي إلى الضعيف لما تجد في حال الشكوى من الراحة مع كونك تشتكي إلى غير مشتكى لأنك تعلم أنه ما بيده شيء و لا يقدر على رفع ما نزل بك إلا من أنزله و قد علمت أن الدار دار بلاء لا يخلص فيها النعيم عن البلاء وقتا واحدا و أقله طلب الشكر من المنعم بها عليها و أي تكليف أشق منه على النفس و لذلك قال تعالى وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبٰادِيَ الشَّكُورُ لجهلهم بالنعم إنها نعم يجب الشكر عليها يؤيد ما قلناه قوله تعالى إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِكُلِّ صَبّٰارٍ شَكُورٍ في حق راكب البحر إذا اشتد الريح عليه و برد فيما فيها من النعمة يطلب منه الشكر عليها و بما فيها من الشدة و الخوف يطلب منه الصبر فافهم و تدبر كلام اللّٰه تغنم و ما أنزله اللّٰه إلا تذكرة للبيب كما قال لِيَدَّبَّرُوا آيٰاتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبٰابِ و لا تكن ممن ليس له منه نصيب إلا البلاغ

«فصل»في اليوم العقيم

و العقيم ما يوجب أن لا يولد منه فلا تكون له ولادة على مثله و سمي عقيما لأنه لا يوم بعده أصلا و هو من يوم الأسبوع يوم السبت و هو يوم الأبد فنهاره نور لأهل الجنة دائم لا يزال أبدا و ليلة ظلمة على أهل النار لا يزال أبدا و لهذا يموتون أهل الكبائر فيها الذين يخرجون منها بعد العقوبة إلى الجنة إذ لا خلود في النار إلا لأهلها الذين هم أهلها

يقول رسول اللّٰه ص أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها و لا يحيون و لكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم اللّٰه فيها إماتة الحديث و هو صحيح فينامون فيها نومة حتى لا يحسوا بالنار إذا مستهم عند ما تتسلط على آلات المعاصي بالأكل و هي الجوارح و الايمان يمنع من تخلصها إلى القلب فهذه عناية التوحيد الذي كان في قلوبهم فعلم التوحيد يميتهم في النار موتة النائم في حال نومه و الايمان على باب النار ينتظرهم حتى إذا بعثهم اللّٰه من تلك النومة و هم قد صاروا فحما أخرجهم سبحانه فغمسهم في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة تكون في حميل السيل ثم يدخلون الجنة فلا يبقى في النار من علم إن اللّٰه إله واحد في الدنيا جملة واحدة و لأهل الجنة في الجنة مقادير يعرفون بها انتهاء مدة طلوع الشمس إلى غروبها في الدنيا و إن لم يكن في الجنة شمس فالحركة التي كانت تسير بالشمس فيظهر من أجلها طلوعها و غروبها موجودة في الفلك الأطلس الذي على الجنة و هو سقفها و الحركة بعينها فيه موجودة و لأهل الجنة كشف و رؤية إلى المقادير التي فيه المعبر عنها بالبروج فإن ذلك الفلك هو السماء الذي أقسم اللّٰه به في قوله وَ السَّمٰاءِ ذٰاتِ الْبُرُوجِ فيعلمون بها حد ما كان عليهم في الدنيا مما يسمى بكرة و عشيا و كان لهم في هذا الزمان في الدنيا حالة تسمى الغداء و العشاء فيتذكرونها هنالك فيأتيهم اللّٰه عند ذلك برزق يرزقهم فيها كما قال لَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهٰا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا و هو رزق خاص في وقت خاص معلوم عندهم و ما عدا ذلك فأكلها دائم لا ينقطع و الدوام في الأكل إنما هو عين النعيم بما يكون

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 564
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست