responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 563

إلى وجهها علمنا أنه ما نظر إلا إلى ما يجوز له النظر إليه فيه بل نظره عبادة لو ورد الأمر من الرسول ص في ذلك و لا ينكر عليه ابتداء مع هذا الاحتمال فليس الإنكار عليه من المنكر بأولى من الإنكار على المنكر في ذلك مع إمكان وجود هذه الاحتمالات إذ لا تصح المنكرات إلا بما لا يتطرق إليها احتمال و هذا يغلط فيه كثير من المتدينين لا من أصحاب الدين فإن أصحاب الدين المتين أول ما يحتاط على نفسه و لا سيما في الإنكار خاصة فإن للمغير شروطا في التغيير فإن اللّٰه ندبنا إلى حسن الظن بالناس لا إلى سوء الظن بهم فلا ينكر صاحب الدين مع الظن و قد سمع إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ فلعل هذا من ذلك البعض و إثمه أن ينطق به و إن وافق العلم في نفس الأمر فإن اللّٰه يؤاخذه بكونه ظن و ما علم فنطق فيه بأمر محتمل و لم يكن له ذلك و سوء الظن بنفس الإنسان أولى من سوء ظنه بالغير لأنه من نفسه على بصيرة و ليس هو من غيره على بصيرة فلا يقال فيه في حق نفسه إنه سيئ الظن بنفسه لأنه عالم بنفسه و إنما قلنا فيه إنه يسيء الظن بنفسه اتباعا لسوء ظنه بغيره فهو من تناسب الكلام و له وجه في الحقائق الشرعية فإنه بالنظر إلى نفسه ليس هو في فعله ما ينكره على نفسه على الحقيقة عالما بأنه في فعله ذلك على منكر يعلمه بل هو على ظن فسوء الظن بنفسه أولى و ذلك

أن لله عبادا قد قال لهم اللّٰه افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم فما فعلوا إلا ما أباح الشرع لهم فعله و إن لم يعلموا أنهم ممن خوطبوا بذلك و هو في الحديث الصحيح فما فعل إلا ما هو مباح عند اللّٰه و هو لا علم له بذلك فهو عند اللّٰه بهذه المثابة فلهذا قلنا سوء الظن بنفسه إذ لم يكن فيها على بصيرة على الحقيقة مع هذا الاحتمال من جانب الحق و قد جعل اللّٰه لمن هذه صفته علامة يعرف بها نفسه أنه من أولئك القوم و لا يشك بالعلم الشرعي الصحيح أن حرمة نفس الإنسان عليه عند اللّٰه أعظم من حرمة غيره بما لا يتقارب و إنه من قتل نفسه أعظم في الجرم ممن قتل غيره و أن صدقته على نفسه أعظم في الأجر من صدقته على غيره فالعالم الصالح من استبرأ لدينه في كل أحواله في حق نفسه و في حق غيره و إلى الآن ما رأيت أحدا من أهل الانتماء إلى الدين و إلى العلم على هذا القدم فالحمد لله الذي وفقنا لاستعماله و حال بيننا و بين إهماله و لو لا ما في ذكر هذا من المنفعة لعباد اللّٰه و النصيحة لهم ما بسطنا القول فيه هذا البسط و إن كان الفصل يقتضيه فإنه فصل المواعظة و اللّٰه يقول لنبيه ص فيما أنزله عليه اُدْعُ إِلىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ مثل هذه التي ذكرناها فإنها وصية منها إلى عباد اللّٰه جمعت بين الحكمة لأنا أنزلناها منزلتها و بين الحكم و الحكيم من ينزل الأمر منزلته و لا يتعدى به مرتبته و أما الموعظة الحسنة فهي الموعظة التي تكون عند المذكر بها عن شهود فإن الإحسان أن تعبد اللّٰه كأنك تراه فكيف بمن حقق أنه يراه فإن ذلك أعظم و أحسن و قد يكون قوله مَثْنىٰ يريد به التعاون في القيام لله تعالى في ذلك الأمر و صورة التعاون فيه إن الشرع في نفس الأمر قد أنكر هذا الفعل ممن صدر عنه عليه فينبغي للعالم المؤمن أن يقوم مع المشرع في ذلك فيعينه فيكون اثنان هو و الشرع وَ فُرٰادىٰ أن يكون هذا المنكر لا يعلم أنه معين للشرع في إنكاره و وعظه فيقول قد انفردت بهذا الأمر و ما هو إلا معين للشرع و للملك الذي يقول بلمته للفاعل لا تفعل إذ يقول له الشيطان بلمته افعل فيكون مع الملك مثنى فإن الملك مكلف بأن ينهى العبد الذي قد ألزمه اللّٰه به أن ينهاه فيما كلفه اللّٰه به أن ينهاه عنه فيساعده الإنسان على ذلك فيكون ممن قام لله في ذلك مثنى و قد يكون معينا للشارع و هو الرسول ع فهو الذي أنكر أولا هذا الفعل على فاعله و تقدم في الوعظ في ذلك فيكون هذا الإنسان الواعظ مع وعظ الرسول المتقدم مثنى كما

سأل بعض الناس رسول اللّٰه ص أن يجعله رفيقه في الجنة فقال له رسول اللّٰه ص أعني على نفسك بكثرة السجود فطلب منه العون فقد قاما في ذلك مثنى هو و رسول اللّٰه ص قال تعالى وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوىٰ و قال اِسْتَعِينُوا بِاللّٰهِ فشرك نفسه مع عبده في الفعل و ما لا يفعله اللّٰه إلا بالأدلة فهو من هذا الباب و لا يعلم ذلك إلا العالم بأسرار اللّٰه و ما هي الحقائق عليه فلا تغفل عن هذا النفس و كن المعين لمن ذكرت لك تحمد عاقبتك و يحصل لك سهم في الإعانة مع المعين يقول العبد وَ إِيّٰاكَ نَسْتَعِينُ فيقول الحق هذه بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل فتبين قوله تعالى هذه بيني و بين عبدي فهي لله و له في حكم الإعانة إذا أراد اللّٰه وجود الصلاة فلا بد من استعداد المحل الذي به ظهور الصلاة فافهم

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 563
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست