responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 533



من قيد الحق بإطلاقه فما أقام الميت من رمسه
هيهات لا يعرف أسراره إلا الذي حج إلى قدسه
من أسه الحق فذاك الذي يطرحه الضارب من أسه

[سر انبعاث اللّٰه تعالى موسى و هارون إلى فرعون]

سر إلهي لا يعرفه كثير من الناس بعث اللّٰه تعالى موسى و هارون إلى فرعون و أوصاهما أن يقولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىٰ و الترجي من اللّٰه واقع عند جميع العلماء كما قال عَسَى اللّٰهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فقال العلماء عسى من اللّٰه واجبة و لعل و عسى أختان فعلم اللّٰه أنه يتذكر و لا يكون التذكر إلا عن علم سابق منسي ثم قال لهما لما رأى خوفهما من أنه لا يجيب إلى ما يدعوانه إليه لاٰ تَخٰافٰا إِنَّنِي مَعَكُمٰا أَسْمَعُ وَ أَرىٰ أي أسمع من فرعون إذا بلغتما إليه رسالة ربكما و أرى ما يكون منكما في حقه مما أوصيتكما به من اللين و التنزل في الخطاب فلم يجد فرعون على من يتكبر لأن التكبر من المتكبر إنما يقع لمن يظهر له بصفة الكبرياء فلما رأى ما عندهما من اللين في الخطاب رق لهما و سرت الرحمة الإلهية بالعناية الربانية في باطنه فعلم إن الذي أرسلا به هو الحق فكان المتكلم من موسى و هارون الحق و كان السمع الذي تلقى من فرعون كلام موسى الحق فحصل القبول في نفسه و ستر ذلك عن قومه فإنه شأن الحق أ لا ترى إليه تعالى في القيامة يتجلى في صورة ينكر فيها فهذا من ستره و لما علم فرعون إن الحق سمع خلقه و بصره و لسانه و جميع قواه لذلك قال بلسان الحق أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىٰ إذ علم إن اللّٰه هو الذي قال على لسان عبده أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلىٰ فأخبر اللّٰه تعالى أنه أخذه نَكٰالَ الْآخِرَةِ وَ الْأُولىٰ و النكل القيد فقيده اللّٰه بعبوديته مع ربه في الأولى بعلمه أنه عبد اللّٰه و في الآخرة إذا بعثه اللّٰه يبعثه على ما مات عليه من الايمان به علما و قولا و ليس بعد شهادة اللّٰه شهادة و قد شهد له أنه قيده في الأولى و الآخرة إِنَّ فِي ذٰلِكَ أي في هذا الأخذ لعبرة أي تعجبا و تجاوزا مما يسبق منه إلى فهم العامة إلى ما فيه مما يفهمه الخاصة من عباد اللّٰه و هم العلماء و لذلك قال لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشىٰ و قد عرفنا أنه إِنَّمٰا يَخْشَى اللّٰهَ مِنْ عِبٰادِهِ الْعُلَمٰاءُ و قد قال لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشىٰ و لا يخشى حتى يعلم بالتذكر ما كان نسيه من العلم بالله و من قيده الحق فلا يتمكن له الإطلاق و السراح من ذلك القيد و قولهما إِنَّنٰا نَخٰافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنٰا أي يتقدم علينا بالحجة بما يرجع إليه من التوحيد أَوْ أَنْ يَطْغىٰ أي يرتفع كلامه لكونه يقصد إلى عين الحقيقة فنتعب معه فلهذا قال لهما لاٰ تَخٰافٰا إِنَّنِي مَعَكُمٰا أَسْمَعُ وَ أَرىٰ و أوصاهما أن يلينا له في القول فلما قالا له ص ما قالاه على الوجه الذي عهد إليهما اللّٰه أن يقولاه قال لهما فرعون فَمَنْ رَبُّكُمٰا يٰا مُوسىٰ كما يقول فتانا القبر للميت لا لجهله بما يقوله و إنما يريد أن يتنبه الحاضرون لما يقولانه مما يكون دليلا على وجود اللّٰه ليعلموا صدقهما لأن العاقل إذا علم أنهما إذا قالا مثل ذلك ربما إن الخواطر تتنبه و يدعوهم قولهما إلى النظر فيه لنصبهما في قولهما مواضع الدلالة على اللّٰه فإنه لا يسأل خصمه فدل سؤاله أنه يريد هداية من يفهم من قومه ما جاء به فقالا رَبُّنَا الَّذِي أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدىٰ فانصفا فرعون في هذا الخطاب و هذا من القول اللين فإنه دخل تحت قولهما كل شيء ادعاه فرعون فأعطاه اللّٰه خلقه فكان في كلامهما جواب فرعون لهما إذ كان ما جاء به فرعون خلق لله ثم زادهما في السؤال ليزيدا في الدلالة قٰالَ فَمٰا بٰالُ الْقُرُونِ الْأُولىٰ فقالا عِلْمُهٰا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتٰابٍ لاٰ يَضِلُّ رَبِّي وَ لاٰ يَنْسىٰ مثل ما نسيت أنت حتى ذكرناك فتذكرت فلو كنت إلهاما نسيت لأن اللّٰه قال لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ثم زادا في الدلالة بما قالا بعد ذلك إلى تمام الآية فما زال ذلك مضمرا في نفس فرعون لم يعطه حب الرئاسة أن يكذب نفسه عند قومه فيما استخفهم به حتى أطاعوه ف‌ كٰانُوا قَوْماً فٰاسِقِينَ فما شركه معهم في ضمير أنهم فلما رأى البأس قٰالَ آمَنْتُ فتلفظ باعتقاده الذي ما زال معه فقال له اللّٰه تعالى آلْآنَ قلت ذلك فأثبت اللّٰه بقوله آلْآنَ إنه آمن عن علم محقق و اللّٰه أعلم و إن كان الأمر فيه احتمال و حقت الكلمة من اللّٰه و جرت سنته في عباده إن الايمان في ذلك الوقت لا يدفع عن المؤمن العذاب الذي أنزله بهم في ذلك الوقت إِلاّٰ قَوْمَ يُونُسَ كما لا ينفع السارق توبته عند الحاكم فيرفع عنه حد القطع و لا الزاني مع توبته عند الحاكم مع علمنا بأنه تاب بقبول التوبة عند اللّٰه و

حديث ماعز في ذلك صحيح إنه تاب توبة لو قسمت على أهل مدينة لوسعتهم و مع هذا لم تدفع عنه الحد بل أمر ص برجمه كذلك كل من آمن بالله عنده رؤية

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 533
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست