responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 515

لتعريس هذه المعاني التي يسفرها الحق لقلوب عباده فتعرس فيها ليطلعه اللّٰه على ما أراد أن يعلمه ذلك القلب فما من نفس إلا و للقلب خاطر إلهي قد نزل به على أي طريق سلك لكن بعض القلوب تعرف من عرس بها من الخواطر و قد لا تعرف من أي طريق جاء لأنها ما شعرت به حتى نزل ذلك الخاطر بالقلب و بعض الناس لهم استشراف على أفواه السكك التي تأتي عليها هذه الخواطر التي تنزل بهذا القلب و تعرف كل طريق و تميزه عن صاحبه فإذا أقبل الخاطر عرف من أي طريق أقبل فإذا نزل به يقابله من الكرامة به على قدر ما يعرفه فإنه لكل طريق حكم ليس للطريق الآخر و هذا كله أعني الذي ذكرناه من المراعاة إنما ذلك في زمان التكليف فإنه الذي وضع الطريق و أوجب الأحكام فإذا ارتفع التكليف في النشأة الآخرة توحدت الطريق فلم يكون غير طريق واحدة فلا يحتاج في النازل عليه من اللّٰه المعرس بقلبه إلى تمييز أصلا فإنه ماثم عمن يتميز لأحدية الطريق فلا يكون العرس بالعقد و بما فصلناه في ذلك في أول الباب إلا في زمان التكليف و هو زمان الحياة الدنيا في أول وجوب التكليف فاعلم ذلك فإذا كان الحق منزل تعريسنا و هو ما ذكر عن نفسه إن العبد يتحرك بحركة يضحك بها ربه و يتعجب منها ربه و يتبشبش له من أجلها ربه و يفرح بها ربه و يرضي بها ربه و يسخط بها ربه و يغضب بها ربه فلما قال هذا عن نفسه و عين هذه الحركات و أمثالها حتى عرفناها من كتابه على لسان رسوله ص و عرفنا إن العبد عنده بحسب ما أنزل به من هذه الحركات الموجبة لهذه الأحكام التي وصف الحق بها نفسه أنه يظهر بها إذا أتى بها العبد و هذا حكم أثبته الحق و نفاه دليل العقل فعرفنا إن العقل قاصر عما ينبغي لله عز و جل و أنه لو ألزم نفسه الإنصاف للزم حكم الايمان و التلقي و جعل النظر و الاستدلال في الموضع الذي جعله اللّٰه و لا يعدل به عن طريقه الذي جعله اللّٰه له و هو الطريق الموصل إلى كونه إلها واحدا لا شريك له في ألوهيته و لا يتعرض لها لما هو عليه في نفسه و أما استدلاله القاصر الذي يريد أن يحكم به على ربه بقوله إنه ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث بتقسيمه في ذلك فإذا سلمناه لم يقدح فيما نريده فإنا نقول له من قال لك إن الحق بهذه المثابة و هو قولك كل ما لا يخلو عن الحوادث في نفسه فمن قال لك إن هذه في الموجودات منحصرة إنما ذلك حكم فيما لا يخلو عن الحوادث لا فيمن يخلو عن الحوادث و أما تقسيمك الآخر على هذا الجواب و هو قولك إنه إذا خلا عنها ثم قبلها فلا يخلو إما أن يقبلها لنفسه أو لأمر آخر ما هو نفسه فإن قبلها لنفسه فلا يخلو عنها و إذا لم يخل عنها فهو حادث مثلها و نقول له أما الحوادث كلها فيستحيل دخولها في الوجود لأنها لا تتناهى و أنت تعلم أن الذي يقبل الحوادث قد كان خليا عنها أي عن حادث معين مع وجود نفسه ثم قبل ذلك الحادث لنفسه لأنه لو لا ما هو على صفة يقبله ما قبله فقد عرا و خلا عن ذلك الحادث بعينه مع وجود نفسه فما من حادث تفرضه إلا و يعقل وجود نفس القابل له و ذلك الحادث غير موجود و إن لم يخل عن الحوادث فلا يلزم أن يكون حادثا مثلها مع قبوله لها لنفسه فالحق قد أخبر عن نفسه أنه يجيب عبده إذا سأله و يرضى عنه إذا أرضاه و يفرح بتوبة عبده إذا تاب فانظر يا عقل لمن تنازع و من المحال أن نصدقك و نكذب ربك و نأخذ عنك الحكم عليه و أنت عبد مثلي و نترك الأخذ عن اللّٰه و هو أعلم بنفسه فهو الذي نعت نفسه بهذا كله و نعلم حقيقة هذا كله بحده و ماهيته و لكن نجهل النسبة إلى اللّٰه في ذلك لجهلنا بذاته و قد منعنا و حذرنا و حجر علينا التفكر في ذاته و أنت يا عقل بنظرك تريد أن تعلم حقيقة ذات خالقك لا تسبح في غير ميدانك و لا تتعد في نظرك معرفة المرتبة لا تتعرض للذات جملة واحدة فإن اللّٰه قد أبان لنا أنه محل أو منزل لتعريس حركات عباده في أسفارهم بأحوالهم فتفطن إن كنت ذا عقل سليم ثم إنه ما يلزم إذا كان الأمر عندك قد حدث أن يكون ذلك الأمر حادثا في نفسه لا عقلا و لا عرفا و لا شرعا فإنك تقول قد حدث عندنا اليوم ضعيف و هو صحيح حدوثه عندكم لا حدوثه في نفسه في ذلك الوقت بل قد كانت عينه موجودة منذ خمسين سنة و مع هذا فلا يحتاج إليه لبيانه و ظهوره فمن أراد الدخول على اللّٰه فليترك عقله و يقدم بين يديه شرعه فإن اللّٰه لا يقبل التقييد و العقل تقييد بل له التجلي في كل صورة كما له أن يركبك في أي صورة شاء : فالحمد لله الذي ركبنا في الصورة التي لم تقيده سبحانه بصورة معينة و لا حصرته فيها بل جعلت له ما هو له بتعريفه أنه له و هو تحوله في الصور فما قدر اللّٰه حق قدره إلا اللّٰه و من وقف مع اللّٰه

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 515
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست