responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 496

رجل من رجال اللّٰه يدعى عبد الرحمن

[الرحمة الإلهية التي أوجد اللّٰه في عباده مخلوقة من الرحمة الذاتية]

اعلم أن الرحمة الإلهية التي أوجد اللّٰه في عباده ليتراحموا بها مخلوقة من الرحمة الذاتية التي أوجد اللّٰه بها العالم حين أحب أن يعرف و بها كَتَبَ عَلىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ و هذه الرحمة المكتوبة منفعلة عن الرحمة الذاتية و الرحمة الامتنانية هي التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فرحمة الشيء لنفسه تمدها الرحمة الذاتية و تنظر إليها و فيها يقع الشهود من كل رحيم بنفسه فإن اللّٰه قد وصف نفسه بالحب و شدة الشوق إلى لقاء أحبابه فما لقيهم إلا بحكم هذه الرحمة التي يشهدها صاحب هذه الرحمة هي الرحمة التي كتبها على نفسه لا مشهد لها في الرحمة الذاتية و لا الامتنانية و أما رحمة الراحم بمن أساء إليه و ما يقتضيه شمول الإنعام الإلهي و الاتساع الجودي فلا مشهد لها إلا رحمة الامتنان و هي الرحمة التي يترجاها إبليس فمن دونه لا مشهد لهؤلاء في الرحمة المكتوبة و لا في الرحمة الذاتية و بهذا كان اللّٰه و الرحمن دون غير الرحمن من الأسماء لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ فجميع الأسماء دلائل على الاسم الرحمن و على الاسم اللّٰه و لكن أكثر الناس لا يشعرون و ما رأيت أحدا من أهل اللّٰه نبه على تثليث الرحمة بهذا التقسيم فإنه تقسيم غريب كما هو في نفس الأمر فما علمناه إلا من الكشف و ما أدري لما ذا ترك التعبير عنه أصحابنا مع ظني بأن اللّٰه قد كشف لهم عن هذا و أما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلك وقوف عين و من نور مشكاتهم عرفناه لأن اللّٰه رزقنا الاتباع الإلهي و الاتباع النبوي فأما الاتباع الإلهي فهو قوله تعالى وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ فالله في هذه المعية يتبع العبد حيث كان فنحن أيضا تتبعه تعالى حيث ظهر بالحكم فنحن وقوف حتى يظهر بأمر يعطي ذلك الأمر حكما خاصا في الوجود فنتبعه فيه و لا نظهر في العامة بخلافه كسكوتنا عن التعريف به أنه هو إذا تجلى في صورة ينكر فيها مع معرفتنا به فهو المقدم بالتجلي و حكم الإنكار فنحن نتبعه بالسكوت و إن لم ننكر و لا نقر فهذا هو الاتباع الإلهي و أما الاتباع النبوي الذي رزقنا اللّٰه فهو قوله لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ثم إنه أتبعنا و تأسى بنا في صلاته إذا صلى بالجماعة فيكون فيها الضعيف و المريض و ذو الحاجة فيصلي بصلاتهم فهو ص المتبع و المتبع اسم مفعول و اسم فاعل ثم أمرنا أن نصلي إذا كنا أئمة بصلاة إلا ضعف فاتبعنا الرحمن بما ذكرناه فنحن التابعون و اتبعنا الرحمن بما تعطيه حقائقنا من الاحتياج و الفاقة فيمشي بما نحن عليه فنحن المتبوعون فانظر ما ذا تعطي حقائق السيادة في العبيد و حقائق العبادة و العبودية في السيادة فهذا الرجل هذه صفته في العالم و بهذه الركعة الرابعة ظهرت أحكام الأسماء الأربعة الإلهية و أحكام الطبيعة في النشأة الطبيعية و أحكام العناصر في المولدات الثلاثة التي لها هذه الرحمات الثلاثة و أحكام الأخلاط في النشأة الحيوانية فلهذا الرجل المهيمنية على هذه كلها نشء صورة الركعة الخامسة من الوتر انتشا رجل منها رجل من رجال اللّٰه يقال له عبد المعطي فتارة يكون عطاؤه وهبا فيكون المعطي عبد الوهاب و تارة يكون عطاؤه إنعاما فيكون عبد المنعم و تارة يكون عطاؤه كرما فيكون المعطي عبد الكريم و تارة يكون عطاؤه جودا فيكون المعطي عبد الجواد و تارة يكون عطاؤه سخاء فيكون المعطي عبد المقيت و عبد السخي و تارة يكون عطاؤه إيثارا فيكون المعطي عبد الغني و هذا العطاء أغمض الإعطاءات و أصبعها تصورا بل يمنعها الجميع إلا نحن و ما رأينا أحدا أثبت هذا العطاء في الإلهيات و ما يثبته إلا من علم معنى اسمه الغني تعالى و ذلك أنه قد ثبت في الصحيح أن العبد يصل إلى مقام يكون الحق من حيث هويته جميع قواه في

قوله كنت سمعه و بصره و يده و غير ذلك من أعضائه و قواه الحديث و هو سبحانه الغني لذاته الغناء الذي لا يمكن إزالته عنه فإذا قام العبد في هذا المقام فقد أعطاه صفة الغناء عنه و عن كل شيء لأن هويته هي أعيان قوى هذا العبد و ليس ذلك في تقاسيم العطاء إلا للإيثار فقد آثر عبده بما هو لهويته قال تعالى وَ يُؤْثِرُونَ عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كٰانَ بِهِمْ خَصٰاصَةٌ بل بهم خصاصة و لما كان عطاء الإيثار فضلا يرجع على المعطي كان الحق أولى بصفة الفضل فعطاء الإيثار أحق في حق الحق و أتم في حق العبد و هذا من علوم الأسرار التي لا يمكن بسط التعريف فيها إلا بالإيماء لأهلها أشجعهم للعمل عليها فإنهم في غاية من الخوف لقبولها فكيف للاتصاف بها و باقي الأسماء هينه الخطب نشء صورة الركعة السادسة من الوتر انتشا منها رجل من رجال اللّٰه يقال له عبد المؤمن

[أن الايمان نعت إلهى]

اعلم أن الايمان إذا كان نعتا إلهيا فهو ما يظهر من الدلالات كلها على وجه صحة ما يدعيه المدعي أي مدع

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 496
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست