responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 463

دليل و هم الذين علموا الآيات و الدلالات و المعجزات و هؤلاء هم الذين يشفع فيهم النبيون و منهم المؤمن تقليدا بما أعطاه أبواه إذ ربياه أو أهل الدار التي نشأ فيها فهذا النوع يشفع فيهم المؤمنون كما أنهم أعطوهم الايمان في الدنيا بالتربية و أما الملائكة فتشفع فيمن كان على مكارم الأخلاق في الدنيا و إن لم يكن مؤمنا و ما ثم شافع رابع و بقي من يخرجه أرحم الراحمين و هم الذين ما عملوا خيرا قط لا من جهة الايمان و لا بإتيان مكارم الأخلاق غير إن العناية سبقت لهم أن يكونوا من أهل تلك الدار و بقي أهل هذه الدار الأخرى فيها فغلقت أبواب الدار و أطبقت و وقع الياس من الخروج فحينئذ تعم الرحمة أهلها لأنهم قد يئسوا من الخروج منها فإنهم كانوا يخافون منها الخروج لما رأوا إخراج أرحم الراحمين و هم قد جعلهم اللّٰه على مزاج بصلح لساكن تلك الدار و يتضرر بالخروج منها كما قد بيناه فلما يئسوا فرحوا فنعيمهم هذا القدر و هو أول نعيم يجدونه و حالهم فيها كما قدمناه بعد فراغ مدة الشقاء فيستعذبون العذاب فتزول الآلام و يبقى العذاب و لهذا سمي عذابا لأن المال إلى استعذابه لمن قام به كما يستحلي الجرب من يحكه فإذا حكه من غير جرب أو غير حاجة من يبوسة تطرأ على بعض بدنه تألم بالحك هكذا الأمر يقتضيه حال المزاج الذي يعرض للإنسان فافهم نعيم كل دار تسعد إن شاء اللّٰه تعالى أ لا ترى إلى صدق ما قلناه إن النار لا تزال متالمة لما فيها من النقص و عدم الامتلاء حتى يضع الجبار فيها قدمه و هي إحدى تينك القدمين المذكورتين في الكرسي و القدم الأخرى التي مستقرها الجنة قوله وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ فالاسم الرب مع هؤلاء و الجبار مع الآخرين لأنها دار جلال و جبروت و هيبة و الجنة دار جمال و أنس و تنزل إلهي لطيف فقدم الصدق إحدى قدمي الكرسي و هما قبضتان الواحدة للنار و لا يبالي و الأخرى للجنة و لا يبالي لأنهما في المال إلى الرحمة فلذلك لا يبالي فيهما و لو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة ما وقع الأخذ بالجرائم و لا وصف اللّٰه نفسه بالغضب و لا كان البطش الشديد فهذا كله من المبالاة و التهمم بالمأخوذ إذ لو لم يكن له قدر ما عذب و لا استعد له و قد قيل في أهل التقوى إن الجنة أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ و قال في أهل الشقاء أَعَدَّ لَهُمْ عَذٰاباً أَلِيماً فلو لا المبالاة ما ظهر هذا الحكم فللأمور و الأحكام مواطن إذا عرفها أهلها لم يتعد بكل حكم موطنه و بهذا يعرف العالم من غير العالم فالعالم لا يزال يتأدب مع اللّٰه و يعامله في كل موطن بما يريد الحق أن يعامله به في ذلك الموطن و من لا يعلم ليس كذلك فبالقدمين أغنى و أفقر و بهما أمات و أحيا و بهما أهل و أقفر و بهما خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثىٰ و بهما أذل و أعز و أعطى و منع و أضر و نفع و لولاهما ما وقع شيء في العالم مما وقع و لولاهما ما ظهر في العالم شرك فإن القدمين اشتركتا في الحكم في العالم فلكل واحدة منهما دار تحكم فيها و أهل تحكم فيهم بما شاء اللّٰه من الحكم و قد أومأنا إليه و إلى تفاصيله فإن الأحكام كالحدود تتغير بتغير الموجب لها فالمحدود في الافتراء يحد بحد لا يقام فيه إذا قتل بل يتولاه حد آخر خلاف هذا و المفتري هو القاتل عينه فتغيرت الحدود عليه لتغير الموجب لها فافهم فكذلك أحوال الأحكام الإلهية تتغير لتغير المواطن فالعناية الكبرى التي لله بالعالم كون استواءه على العرش المحيط بالعالم باسمه الرحمن و إليه يرجع الأمر كله و لذلك هو أرحم الراحمين لأن الرحماء في العالم لو لا رحمته ما كانوا رحماء فرحمته أسبق و لما كانت القدمان عبارة عن تقابل الأسماء الإلهية مثل الأول و الآخر و الظاهر و الباطن و مثل ذلك ظهر عنها في العالم حكم ذلك في عالم الغيب و الشهادة و الجلال و الجمال و القرب و البعد و الهيبة و الأنس و الجمع و الفرق و الستر و التجلي و الغيبة و الحضور و القبض و البسط و الدنيا و الآخرة و الجنة و النار كما إن بالواحد كان لكل معلوم أحدية يمتاز بها من غيره كما إن عن الفردية و هي الثلاثة ظهر حكم الطرفين و الواسطة و هي البرزخ و الشيء الذي هو بينهما كالحار و البارد و الفاتر و عن الفردية ظهرت الأفراد و عن الاثنين ظهرت الأشفاع و لا يخلو كل عدد أن يكون شفعا أو وترا إلى ما لا يتناهى التضعيف فيه و الواحد يضعفه أبدا فبقوة الواحد ظهر ما ظهر من الحكم في العدد و الحكم لله الواحد القهار فلو لا أنه سمي بالمتقابلين ما تسمى بالقهار لأنه من المحال أن يقاومه مخلوق أصلا فإذا ما هو قهار إلا من حيث إنه تسمى بالمتقابلين فلا يقاومه غيره فهو المعز المذل فيقع بين الاسمين حكم القاهر و المقهور بظهور أحد الحكمين في المحل فلذلك هو الواحد من حيث إنه يسمى القهار من حيث أنه يسمى بالمتقابلين و لا بد من نفوذ حكم أحد الاسمين فالنافذ الحكم هو القاهر

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 463
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست