responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 456

خرجوا منها إلى الجنة فمستهم النار بقدر خطاياهم مع كونهم أماتهم اللّٰه فيها إماتة فإن أولئك ليست النار منزلا لهم يعمرونه و يقيمون فيه مع أهليهم و إنما النار لهؤلاء منهل من المناهل التي ينزلها المسافر في طريقه حتى يصل إلى منزله الذي فيه أهله فهذا معنى الحكمة و التفصيل فإن الأمور أعني الممكنات متميزة في ذاتها في حال عدمها و يعلمها اللّٰه سبحانه و على ما هي عليه في نفسها و يراها و يأمرها بالتكوين و هو الوجود فتتكون عن أمره فما عند اللّٰه إجمال كما أنه ليس في أعيان الممكنات إجمال بل الأمر كله في نفسه و في علم اللّٰه مفصل و إنما وقع الإجمال عندنا و في حقنا و فينا ظهر فمن كشف التفصيل في عين الإجمال علما أو عينا أو حقا فذلك الذي أعطاه اللّٰه الحكمة و فصل الخطاب و ليس إلا الرسل و الورثة خاصة و أما الحكماء أعني الفلاسفة فإن الحكمة عندهم عارية فإنهم لا يعلمون التفصيل في الإجمال و صورة ذلك كما يراه صاحب هذا المقام الذي أعطاه اللّٰه الحكمة التي عنده عناية إلهية و هي عند الحق تعيين الأرواح الجزئية المنفوخة في الأجسام المسواة المعدلة من الطبيعة العنصرية من الروح الكل المضاف إليه و لذلك ذكر أنه خلقها قبل الأجسام أي قدرها و عينها الكل جسم و صورة روحها المدبر لها الموجود بالقوة في هذا الروح الكل المضاف إليه فيظهر ذلك في التفصيل بالفعل عند النفخ و ذلك هو النفس الرحماني لصاحب الكشف فيرى في المداد الذي في الدواة جميع ما فيه من الحروف و الكلمات و ما يتضمنه من صور ما يصورها الكاتب أو الرسام و كل ذلك كتاب فيقول في هذا المداد من الصور كذا و كذا صورة فإذا جاء الكاتب و الرسام أو الرسام دون الكاتب أو الكاتب دون الرسام بحسب ما يذكره صاحب الكشف فيكتب بذلك المداد و يرسم جميع ما ذكره هذا المكاشف بحيث لا يزيد على ذلك و لا ينقص و لا يدرك ذلك هذا المسمى في عرف العقلاء حكما فهذا حظ أهل الكشف فهم الذين أعطاهم اللّٰه الحكمة و فصل الخطاب و قد أمرنا رسول اللّٰه ص أن نعطي كل ذي حق حقه و لا نفعل ذلك حتى نعلم ما يستحقه كل ذي حق من الحق و ليس إلا بتبيين الحق لنا ذلك و لذلك أضافه إليه تعالى فقال وَ آتَيْنٰاهُ الْحِكْمَةَ و مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً فما يعلمها إلا من أوتيها فهي هبة من اللّٰه تعالى كما وهبنا وجود أعياننا و لم نكن شيئا وجوديا فالعلم الإلهي هو الذي كان اللّٰه سبحانه معلمه بالإلهام و الإلقاء و بإنزال الروح الأمين على قلبه و هذا الكتاب من ذلك النمط عندنا فو الله ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهي و إلقاء رباني أو نفث روحاني في روع كياني هذا جملة الأمر مع كوننا لسنا برسل مشرعين و لا أنبياء مكلفين بكسر اللام اسم فاعل فإن رسالة التشريع و نبوة التكليف قد انقطعت عند رسول اللّٰه محمد ص فلا رسول بعده ص و لا نبي يشرع و لا يكلف و إنما هو علم و حكمة و فهم عن اللّٰه فيما شرعه على السنة رسله و أنبيائه عليهم سلام اللّٰه و ما خطه و كتبه في لوح الوجود من حروف العالم و كلمات الحق فالتنزيل لا ينتهي بل هو دائم دنيا و آخرة

اللّٰه أنشأ من طي و خولان جسمي فعدلني خلقا و سواني
و أنشأ الحق لي روحا مطهرة فليس بنيان غيري مثل بنياني
إني لا عرف روحا كان ينزل بي من فوق سبع سماوات بفرقان
نريد قوله تعالى إِنْ تَتَّقُوا اللّٰهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقٰاناً و ما أنا مدع في ذاك من نبأ من الإله و لكن جود إحسان

إن النبوة بيت بيننا غلق و بينه موثق بقفل إيمان
و إنما قلنا ذلك لئلا يتوهم متوهم إني و أمثالي و ادعى نبوة لا و اللّٰه ما بقي إلا ميراث و سلوك على مدرجة محمد رسول اللّٰه ص خاصة و إن كان للناس عامة و لنا و لأمثالنا خاصة من النبوة ما أبقى اللّٰه علينا منها مثل المبشرات و مكارم الأخلاق و مثل حفظ القرآن إذا استظهره الإنسان فإن هذا و أمثاله من أجزاء النبوة المورثة و لذلك كان أول إنسان أنشأه اللّٰه و هو آدم نبيا من مشى على مدرجته بعد ذلك فهو وارث لا بد من ذلك بهذه النشأة الترابية و أما في المقام فآدم و من دونه إنما هو وارث محمد ص لأنه كان نبيا و آدم بين الماء و الطين لم يكن بعد موجودا فالنبوة

اسم الکتاب : الـفتوحات المکیة المؤلف : ابن عربي، محيي الدين    الجزء : 3  صفحة : 456
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست